(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) ـ تأويله والله أعلم ـ : أي من له ما في السموات وما في الأرض يقدر أن يذهبكم ، أي : يهلككم ، ويأتي بآخرين أخير منكم ، وأخوف وأطوع لله منكم ، لكنه لا يفعل ؛ لأنه غني عن عبادتكم وطاعتكم ، لم يخلقكم في الابتداء لحاجته في عبادتكم أو لمنفعة له ؛ ولكن لحاجة أنفسكم ومنافعكم ، والله أعلم.
ثم يحتمل قوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) : في قوم خاص ، كما كان في الأمم الخالية من الإهلاك عند المعاندة والمكابرة.
ويحتمل في الكل (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ) ، أي : يهلككم : الكل ، ويأت بآخرين ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ اللهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً)
أي : كان الله على الإهلاك والإبدال (١) قديرا ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ).
قال بعض أهل التأويل : من كان يريد بعمله الذي يعمله عرض الدنيا ، ولا يريد به الله ـ آتاه الله ما أحب من عرض الدنيا ، أو دفع عنه ما أحب في الدنيا ؛ فليس له في الآخرة من ثواب ؛ لأنه عمل لغير الله ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة : ٢٠٠] ، ومن أراد بعمله الذي يعمله في الدنيا ، ثواب الآخرة ـ آتاه الله ـ تعالى ـ من (٢) عرض الدنيا ما أحب ، ودفع عنه (٣) ، وجزاه في الآخرة الجنة ؛ بعمله في الدنيا ، والله أعلم.
وتحتمل الآية ـ غير هذا ـ وجوها كأنها أشبه من هذا :
أحدها : أنهم كانوا يتخذون من دون الله آلهة يعبدونها ؛ طلبا للرئاسة والعز والشرف ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا* كَلَّا) [مريم : ٨١ ـ ٨٢] فأخبر أن العز والشرف ليس [في ذلك](٤) ؛ ولكن عند الله عز الدنيا والآخرة.
والثاني : أنهم كانوا يعبدون الأوثان والأصنام ، ويقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] ويقولون : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ؛ فأخبر أن ليس في عبادتكم هذه الأوثان دون الله ـ لكم زلفى ، ولا ثواب ، ولكن اعبد الله ؛ فعنده الدنيا والآخرة.
__________________
(١) في ب : إبدال غير.
(٢) في أ : عن.
(٣) زاد في ب : ما أحب.
(٤) في ب : ذاك.