آمَنُوا) ثم كذا ؛ فدل أنه إذا تاب يقبل منه.
وقال أصحابنا : يستتاب المرتد ثلاثا ؛ فإن أسلم وإلا قتل.
روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : يستتاب المرتد ثلاثا. ثم تلا هذه الآية (١).
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ كذلك (٢).
وعن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قدم عليه رجل من الجيش ، فقال : هل حدث لكم حدث؟ فقال : إن رجلا من المسلمين ارتد ولحق بالمشركين فأخذناه. فقال : ما صنعتم به؟ قالوا : قتلناه. قال : هلا أدخلتموه بيتا ، وأغلقتم عليه بابا ، وأطعمتموه كل يوم رغيفا ، واستتبتموه ثلاثا ؛ فإن تاب وإلا قتلتموه. ثم قال : اللهمّ إني لم أشهد ، ولم آمر ، ولم أرض حين بلغني.
وقال أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ : إذا ارتد ثلاثا ، ثم تاب في كل مرة ـ فإنه يحبس في الثالثة إذا تاب ؛ حتى يظهر منه خشوع التوبة ، وذلك أثر الثبات على توبته ؛ فإن ظهر ذلك ، فحينئذ يخلى سبيله ؛ لما يحتمل أن تكون توبته فرارا من القتل ؛ فيحبس حتى تظهر حقيقة توبته ؛ لأنه أظهر الفسق ، والفاسق يحبس حتى يظهر خشوع التوبة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)
لا يحتمل أن يكون أراد بقوله : (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) ـ البيان ؛ على ما قاله قوم ؛ لأنه قد تولى لهم البيان ، لكنهم تعاندوا ولم يهتدوا ؛ فدل أن ثم معنى منه سوى البيان لم
__________________
ـ أيام ، وضيق عليه ؛ فإن رجع ـ قبل منه ؛ وإلا قتل. وقالوا : لا يقتل المرتد حتى يستتاب ثلاثا. وروي عن الإمام أحمد بن حنبل رواية أخرى : أنه لا تجب استتابته ؛ ولكن تستحب. قال ابن قدامة في المغني : ولنا أنها تستحب ؛ لما روي من حديث أم رومان ، وأن النبي أمر أن تستتاب ، وأن عمر بن الخطاب قال عن مرتد قتل : «هلا حبستموه ثلاثا ، فأطعمتموه كل يوم رغيفا ، واستتبتموه» ، ولأنه أمكن استصلاحه ؛ فلم يجز إتلافه قبل الاستصلاح ، ولأن الردة تكون عن شبهة ولا تزول في الحال ؛ فوجب أن ينتظر مدة يرتئي فيها ، وأولى ذلك ثلاثة أيام ؛ للأثر ، ولأنها مدة قريبة.
وقال الظاهرية : إنه لا يجب دعاء المرتد إلى الإسلام واستتابته ، ولكن لا يحال بينه وبين ذلك ؛ فالواجب إقامة الحد على المرتد ، وذلك إذا لم يرجع إلى الإسلام ، وقال في المحلى : إنه لا برهان لمن قال بالاستتابة أكثر من مرة ؛ فإن هذا يفتح بابا لا ينتهي من التكرار. ينظر : الفتاوى الهندية (٢ / ٢٥٤) ، شرح الدر المختار (١ / ٤٨٧) الشرح الكبير بحاشية الدسوقي (٤ / ٣٠٤) ، المهذب (٢ / ٢٢٢ ، ٢٢٣) والمغني (١٠ / ٧٤ ، ٧٦) المحلى (١١ / ١٨٩ ، ١٩٢).
(١) أخرجه ابن جرير (٩ / ٣١٧) (١٠٧٠٤ ـ ١٠٧٠٥) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه ابن جرير (٩ / ٣١٧) (١٠٧٠٦).