قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ ...).
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : نزلت الآية في الذين قال الله ـ تعالى ـ في سورة آل عمران : (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌ) [آل عمران : ٨٦].
وقيل : إنها نزلت في الذين آمنوا بموسى ـ عليهالسلام ـ ثم كفروا بعد موسى ، ثم آمنوا بعزير ، ثم كفروا بعده ، ثم آمنوا بعيسى ـ عليهالسلام ـ وبالإنجيل ، ثم كفروا من بعده ، ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وبالقرآن [الكريم](١). وهو الأولى.
وقيل غير هذا ، لكن ليس بنا إلى أنها فيهم نزلت حاجة ، ولكن فيه دليل أنها في قوم علم الله أنهم لا يؤمنون أبدا ولا يتوبون ؛ لأنه قال : (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) أخبر أنه لا يغفر لهم ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) [آل عمران : ٩٠] ؛ لما علم الله أنهم لا يتوبون ؛ وإلا لو آمنوا وتابوا قبلت توبتهم ؛ فعلى ذلك الأول ؛ لما علم الله أنهم لا يتوبون ، ويموتون على ذلك ـ أخبر أنه لا يغفر لهم.
وفيه دليل أنه (٢) تقبل توبة المرتد إذا تاب ، ليس ـ كما قال بعض الناس ـ أنه لا تقبل توبة (٣) المرتد ؛ لأنه أثبت لهم الإيمان بعد الكفر والارتداد بقوله : (آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَ
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : أن.
(٣) قال الحنفية : من ارتد ـ عرض عليه الحاكم الإسلام ؛ استحبابا ، وتكشف شبهته ، ويحبس وجوبا ـ وقيل : ندبا ـ ثلاثة أيام : يعرض عليه الإسلام في كل يوم منها ، وذلك إن استمهل ، أي : طلب المهلة ؛ فإذا لم يطلب المهلة ـ قتل لساعته ، إلا إذا رجا إسلامه. وقيل عن البلخي : يقتل فورا بلا توبة.
وقال المالكية : يستتاب المرتد ـ وجوبا وإن كان عبدا أو امرأة ـ : ثلاثة أيام بلياليها من يوم الثبوت لا من يوم الكفر ، بلا جوع ولا عطش ؛ بل يطعم ويسقى من ماله ، وبلا معاقبة بالضرب أو نحوه ؛ فإن تاب ترك ؛ وإلا قتل بالسيف ، وكذلك بالنسبة إلى المرتدة ؛ فإنها تقتل إذا أصرت على ردتها بعد الاستتابة ، غير أنها تستبرأ بحيضة ؛ خشية أن تكون حاملا.
وقال الشافعية : إذا تاب المرتد قبلت توبته ، وفي وجوب الاستتابة واستحبابها ـ قولان :
أحدهما لا تجب الاستتابة ؛ لأنه لو قتل قبل الاستتابة ـ لم يضمنه القاتل ، ولو وجبت الاستتابة لضمنه.
والثاني : أنها تجب ؛ لما روي من أن رجلا ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين ، فأخذه المسلمون ؛ فقتلوه ؛ فقال عمر بن الخطاب : «هلا أدخلتموه بيتا ، وأغلقتم عليه بابا ، وأطعمتموه كل يوم رغيفا ، واستتبتموه ثلاثا ؛ فإن تاب وإلا قتلتموه؟! اللهم إني لم أشهد ، ولم آمر ، ولم أرض إذ بلغني» ، ولو لم تجب الاستتابة لما تبرّأ من فعلهم.
وقال الحنابلة : من ارتد عن الإسلام من الرجال أو النساء ، وكان بالغا عاقلا ـ دعي إليه ثلاثة ـ