وقوله ـ عزوجل ـ : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ)
قال أكثر أهل التأويل : ليسوا بمسلمين مخلصين ولا مشركين مصرحين. وهو ـ أيضا ـ قول قتادة (١).
وقال مقاتل : ليسوا مع اليهود فيظهرون ولا يتهم لهم ، وليسوا (٢) مع المؤمنين في التصديق مع الولاية (٣).
ويحتمل غير هذا : وهو أنه لم يظهر لكل واحد من الفريقين منهم الموافقة لهم والكون معهم ؛ بل ظهر منهم الخلاف عند كل فريق ؛ لأنهم كانوا أصحاب طمع ، عبّاد أنفسهم ، يكونون حيث رأوا السعة معهم ؛ فلا إلى هؤلاء في حقيقة الدين عند أنفسهم ، ولا إلى هؤلاء ، فذلك ـ والله أعلم ـ تأويله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً)
قيل : حجة ؛ على ما قيل في الأول.
وقيل : (فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) ، يعني : هدى وطريقا مستقيما (٤) ، والله أعلم.
وعن الحسن : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) ؛ ما دام كافرا ؛ فإذا تاب ورجع عن ذلك فله السبيل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).
عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : نزلت في المنافقين الذين اتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ؛ سماهم الله ـ تعالى ـ مؤمنين بإقرارهم بالإيمان علانية ، وتوليهم الكافرين سرّا ، أو أن يقال : سموا مؤمنين ؛ لما كانوا ينتسبون إلى المؤمنين ؛ فسموا بذلك.
وقيل : نزلت في المؤمنين ، نهاهم أن يتخذوا المنافقين أولياء بإظهارهم (٥) الإيمان علانية ، وأمرهم أن يتخذوا المؤمنين أولياء.
ثم وجه النهي في الولاية واتخاذهم أولياء يكون من وجوه :
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٩ / ٣٣٤) (١٠٧٣٢) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٨) ، وزاد نسبته لابن المنذر.
(٢) في ب : ولاهم.
(٣) أخرجه ابن جرير (٩ / ٣٣٥) (١٠٧٣٤) ، (١٠٧٣٥) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤١٨) ، وزاد نسبته لابن المنذر.
(٤) ذكره بنحوه ابن جرير (٩ / ٣٣٥) ، والبغوي في تفسيره (١ / ٤٩٦).
(٥) في أ : بإظهار.