بالسوء من القول ، وإن لم يكن له ذلك ؛ وهو كقوله ـ تعالى ـ : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [البقرة : ١٥٠] ؛ فإنهم ـ وإن لم يكن لهم حجة عليكم ـ فإنهم يحتجون عليكم ؛ فعلى ذلك الظالم ، وإن لم يكن له الجهر بالسوء من القول فإنه يفعل ذلك ، والله أعلم.
ومن قرأ : (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) : بالرفع ـ فتأويله ما ذكرنا ـ والله أعلم ـ : أنه لا يبيح لأحد الجهر بالسوء من القول إلا المظلوم ؛ فإنه يباح له أن يدعو على ظالمه ، وينتصر منه. والثاني : ما قيل : من سب آخر ، فإنه لا يباح له ولا يؤذن أن يرد عليه مثله وينتصر منه.
وقيل : نزلت الآية في أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ شتمه رجل بمكة ، فسكت عنه ما شاء الله ، ثم انتصر ؛ فقام النبي صلىاللهعليهوسلم وتركه (١).
وعن الحسن قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «المستبّان ما قالا ؛ فهو على البادئ حتّى يعتدي المظلوم» (٢). وقال : «ألا لا تستبّوا (٣) ، فإن كنتم فاعلين لا محالة ، فعلم الرّجل من صاحبه ـ فليقل : إنّك لجبّار ، وإنّك لبخيل».
وأصل هذا الاستثناء أن الأول ـ وإن لم يكن من نوع ما استثنى ـ فهو جزاؤه ، وجزاء (٤) الشيء يسمى باسمه ؛ كما سمى الله ـ عزوجل ـ [جزاء](٥) السيئة : سيئة ؛ بقوله : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) [الشورى : ٤٠] ، وسمي جزاء الاعتداء : اعتداء ، وإن لم يكن الثاني اعتداء ولا سيئة ؛ فعلى ذلك استثنى (إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) ، وإن لم يكن من نوعه ؛ لأنه جزاء الظلم والاعتداء ، والله أعلم.
وقيل : إن الآية نزلت في الضيف ينزل بالرجل فلا يضيفه ، ولا يحسن إليه ؛ فجعل له أن يأخذه بلسانه ، وإلى هذا يذهب أكثر المتأولين (٦) ، لكنه بعيد.
__________________
ـ وأجاز ابن عطية والزمخشري أن يكون في محل رفع على البدلية ، ولكن اختلف مدركهما.
ينظر : المحرر الوجيز (٢ / ١٢٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٣٩٨) ، والدر المصون (٢ / ٤٥١).
(١) ذكره الرازي في تفسيره (١١ / ٧٢) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ١٠٠).
(٢) أخرجه مسلم (٤ / ٢٠٠٠) : كتاب البر والصلة والآداب : باب النهي عن السباب ، رقم (٦٨ ـ ٢٥٨٧) ، وأبو داود (٢ / ٦٩٠) كتاب الأدب باب المستبان ، رقم (٤٨٩٤) ، والترمذي (٣ / ٥٢٣) كتاب البر والصلة : باب ما جاء في الشتم ، رقم (١٩٨١) ، وأحمد (٢ / ٢٣٥) ، وابن حبان رقم (٥٧٢٨) من حديث أبي هريرة.
(٣) في ب : تسبوا.
(٤) في ب : جزء.
(٥) سقط من ب.
(٦) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٩ / ٣٤٦) (١٠٧٥٨ ـ ١٠٧٦١) عن مجاهد ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٤٢٠) ، وعزاه لابن جرير وعبد الرزاق وعبد بن حميد عن مجاهد.