أعلم ـ معنى قوله : (مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) [النساء : ١٦٥ ـ ٢] [مبشرين](١) لمن أطاع الله بالجنة ، ومنذرين لمن عصاه بالنار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ).
يحتمل هذا وجهين :
يحتمل : لئلا يكون للناس على الله ـ تعالى ـ الاحتجاج بأنه لم يرسل الرسل إلينا ، وإن لم يكن لهم في ـ الحقيقة ـ عند الله ـ تعالى ـ ذلك ؛ فيقولوا : (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزى) [طه : ١٣٤].
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) حقيقة الحجة ، لكن ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل ، وأما الدين فإن سبيل لزومه بالعقل (٢) ؛ فلا يكون لهم في ذلك على الله حجة ؛ إذ في خلقه كل أحد من الدلائل ما لو تأمّل وتفكر فيها لدلته على هيبته ، وعلى وحدانيته وربوبيته ؛ لكن بعث الرسل لقطع الاحتجاج لهم عنه ، وإن لم تكن لهم الحجة.
وإن كان على حقيقة الحجة فهو في العبادات والشرائع ؛ فبعث الرسل على قطع الحجة لهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)
أي : لا يعجزه شيء عن إعزاز من أراد أن يعزه ، ولا على إذلال من أراد إذلاله.
(حَكِيماً) : يعرف وضع كل شيء موضعه. وقد ذكرنا تأويله في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ)
قيل فيه بوجهين :
قيل : يشهد الله يوم القيامة ـ والملائكة يشهدون أيضا ـ أن [هذا](٣) القرآن الذي أنزل إليك إنما أنزل من عند الله ، لا كما يقولون : (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [النحل : ١٠٣] ، (ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) [سبأ : ٣٤] ، (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧] كما قالوا.
وقيل : قوله : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ) أي : يبين بالآيات والحجج التي يعجز الخلائق عن إتيان مثلها ، وتلزمهم الإقرار بأنه إنما أنزل (٤) من عند الله ، والله أعلم.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : العقل.
(٣) سقط من ب.
(٤) في ب : نزل.