إنما أباح أكل ما أمسك علينا ، ولم يبح مما أمسك على نفسه ؛ لأن الكلب وغيره من السباع من طباعهم إذا أخذوا الصيد (١) يأخذون لأنفسهم ولا يصبرون على ألا يتناولوا منه ، فإذا أخذ الصيد ولم يتناول منه ؛ دل أنه إنما أمسك لصاحبه ، وإذا تناول منه لم يمسك لصاحبه ؛ لأن الباقي (٢) لا يدري أنه أمسكه لصاحبه أو أمسكه لنفسه لوقت آخر لما شبع ، وعلى ذلك جاءت الآثار.
روي عن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إنا قوم نتصيّد بهذه الكلاب والبزاة ، فهل يحل لنا منها؟ فقال : «يحلّ لكم (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ممّا علّمتم من كلب أو باز ، فذكرت [عليه اسم الله](٣)» ، قلت : وإن قتل؟ قال : «إذا قتله ولم يأكله ، فإنّما أمسك عليك ، وإن أكل فلا تأكل ؛ فإنّما أمسك على نفسه» ، فقلت : يا رسول الله ، أرأيت إن خالطت كلابنا كلابا أخرى؟ قال : «إذا خالط كلبك كلابا فلا تأكل ؛ فإنّك إنّما ذكرت اسم الله على كلبك ، ولم تذكره على كلب غيرك» (٤).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : إذا أكل الكلب من الصيد ، فليس بمعلم (٥).
وعنه ـ أيضا ـ قال : إذا أكل الكلب من الصيد فلا تأكل ، وإذا أكل الصقر فكل ؛ لأن الكلب تستطيع أن تضربه والصقر لا.
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : إذا أكل الكلب فلا تأكل واضربه.
وقد ذكرنا من الأخبار ما يدل على أن الكلب إذا كان غير معلم لم يؤكل صيده ، من خبر عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إنا قوم نصيد بهذه الكلاب؟ فقال : «إذا أرسلت كلابك المعلّمة ، وذكرت اسم الله عليها ، فكل ممّا أمسكن عليك ، وإن قتلن ، إلّا أن يأكل الكلب ، فإن أكل فلا تأكل» (٦) ، وعلى هذا يخرج قولنا : إنه إذا أكل من دمه يؤكل ؛ لأنه لو أمسكه علينا كنا لا نأكله ، وذلك من غاية تعليمه ؛ لأنه تناول الخبيث ،
__________________
(١) في ب : صيدا.
(٢) في ب : النامي.
(٣) في ب : اسم الله عليه.
(٤) أخرجه البخاري (١ / ٢٧٩) كتاب الوضوء : باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان رقم (١٧٥) ، وأطرافه في : (٥٤٨٣ ، ٥٤٨٤ ، ٥٤٨٦) ، ومسلم (٣ / ١٥٣١) كتاب الصيد والذبائح : باب الصيد بالكلاب المعلمة ، رقم (٦ ـ ١٩٢٩) ، والطبري في تفسيره (٩ / ٥٥٠) رقم (١١١٥٦).
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره (٩ / ٥٥٤ ، ٥٥٥) ، رقم (١١١٦١ ـ ١١١٦٧).
(٦) تقدم قريبا.