وقوله ـ عزوجل ـ : (مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ ...)(١) الآية.
قال بعضهم : (مُكَلِّبِينَ) هن الكلاب يكالبن الصيد.
وقال القتبي : المكلبون : أصحاب الكلاب ، وكذلك قال الفراء والكسائي : المكلبون : هم أصحاب الكلاب. والمكلب : الكلب المعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تُعَلِّمُونَهُنَ) : قال الحسن [وأبو بكر](٢) : تضرونهن ، يقال : كلب مضراة على طلب الصيد ، وهما يبيحان الصيد وإن أكل منه الكلب ؛ فعلى قولهما يصح تأويل الإضراء ؛ إذ يبيحان التناول ، وإن أكل منه.
وقال : تؤدبونهن ؛ ليمسكوا الصيد لكم ، وهو عندنا على حقيقة التعليم ؛ تعلّم ليمسكوا الصيد لهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) يتوجه وجهين :
أحدهما : (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) ، أي : مما جعل بينكم ، بحيث احتمال تعليم هؤلاء ، ولم يجعل غيركم من الخلائق محتملا لذلك ولا أهلا.
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ) : أن قال لكم : علموهن بكذا ، وافعلوا كذا ، فكيفما كان ، ففيه دليل جعل العلم شرطا فيه.
ثم تخصيص الكلاب بالذكر دون غيرها من الأشياء ، وإن كانت الكلاب وغيرها سواء إذا علّمت ؛ لخبث الكلاب ومخالطتها الناس ، حتى جاء النهي عن اقتنائها ، وجاء الأمر بقتلها في وقت لم يجىء بمثله في سائر السباع ؛ ليعلم أن ما كسب هؤلاء مع خبثها إذا كن معلمين ، يحتمل التناول منه ، فغيرها مما لم يجىء فيه ذلك أحرى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ).
__________________
(١) قال القرطبي (٦ / ٤٥) : أجمعت الأمة على أن الكلب إذا لم يكن أسود وعلمه مسلم فينشلي إذا أشلي ويجيب إذا دعي ، وينزجر بعد ظفره بالصيد إذا زجر ، وأن يكون لا يأكل من صيده الذي صاده ، وأثر فيه بجرح أو تنييب ، وصاد به مسلم وذكر اسم الله عند إرساله أن صيده صحيح يؤكل بلا خلاف ؛ فإن انخرم شرط من هذه الشروط دخل الخلاف. فإن كان الذي يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبه وكالبازي والصقر ونحوهما من الطيور فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد التعليم فهو جارح كاسب.
قال أيضا (٦ / ٥٠) : دلت الآية على جواز اتخاذ الكلاب واقتنائها للصيد ، وثبت ذلك في صحيح السنة ، وزادت : الحرث والماشية ، وقد كان أول الإسلام أمر بقتل الكلاب.
وقال : وفي الآية دليل على أن العالم له من الفضيلة ما ليس للجاهل ؛ لأن الكلب إذا علم يكون له فضيلة على سائر الكلاب ؛ فالإنسان إذا كان له علم أولى أن يكون له فضل على سائر الناس.
(٢) سقط من ب.