منه ؛ لأن البازي ونحوه مستوحش عن الناس ينفر طبعه عنهم ؛ فدل إلفه الناس وإجابة أصحابهم على التعلم وإن أكل منه ، ولا يحتمل أن يكون بالتناول منه يخرج عن حد التعليم ؛ لأنه إنما يعلم بالأكل من الصيد ، وأما الكلب : فإنه يألف الناس ولا يستوحش ، ومن طبعه الأكل إذا أخذ الصيد ؛ فدل إمساكه عن التناول منه على أنه معلم.
وقد روي عن على ـ رضي الله عنه ـ وابن عباس ما يدل على تأييد ما ذكرنا ، قالا : إذا أكل الصقر فكل ، وإن أكل الكلب فلا تأكل. وعن سلمان كذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).
يحتمل قوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) ؛ فلا تستحلوا ما لم يذكر (١) اسم الله عليه ؛ فإنها ميتة.
ويحتمل : اتقوا الله في ترك ما أمر ونهى كله.
(إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) ، يحتمل السرعة : كناية عن الشدة.
وقوله تعالى (سَرِيعُ الْحِسابِ) : شديد العقاب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) :
يحتمل قوله : (الْيَوْمَ) حرف افتتاح يفتتح به الكلام ، لا إشارة إلى وقت مخصوص ؛ على ما ذكرنا في قوله ـ تعالى ـ : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ، وقد يتكلّم باليوم لا على إشارة وقت مشار إليه. وهو ـ والله أعلم ـ ما حرم عليهم من الثمانية الأزواج التي ذكر الله ـ تعالى ـ في سورة الأنعام ، وهو قوله : (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ ...) [الأنعام : ١٤٣] إلى آخر ما ذكر.
ثم قال : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما ...) الآية [الأنعام : ١٤٦] ، وما حرموا هم على أنفسهم من : البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحام ، وغيرها من المحرمات التي كانت ، فأحل الله ذلك لهم ؛ فقال : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) ، وكانت محرمة عليهم قبل ذلك ، لكن أهل التأويل صرفوا الآية إلى الذبائح ، لم يصرفوا إلى ما ذكرنا ، وقد ذكرنا المعنى الذي به صارت الذبائح طيبات فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)(٢) :
__________________
(١) في ب : بذكره.
(٢) قال القاسمي (٦ / ٨٠) : قيل : هذه الآية تقتضي إباحة ذبائح أهل الكتاب مطلقا ، وإن ذكروا غير اسم الله ـ تعالى ـ. وعن ابن عمر : لو ذبح يهودي أو نصراني على غير اسم الله تعالى ، لا يحل ذلك.
وهو قول ربيعة. وسئل الشعبي وعطاء ، عن النصراني يذبح باسم المسيح؟ فقال : يحل. فإن الله ـ تعالى ـ قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. وقال الحسن : إذا ذبح اليهودي أو النصراني وذكر ـ