عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) ، أي : ذبائحهم حل لكم ، وذبائحكم حل لهم (١). إلى هذا حمل أهل التأويل ، فإن قيل : أليس جعل ذبائحنا محللة لهم وذبائحهم محللة لنا ، ثم تحل ذبائحنا لهم ولغيرهم؟ كيف لا حل ذبائحهم وذبائح غيرهم ، وهو ذبائح المجوس؟ (٢) قيل : حل الذبائح شرعي ، وليس للمجوس كتاب آمنوا به ؛ فتحل ذبائحهم ، وأما أهل الكتاب ، فإنهم آمنوا بما في الكتاب ، حله وحرمته ؛ لذلك افترقا ، والله أعلم.
والآية على قول أصحاب العموم توجب حل جميع طعام أهل الكتاب لنا وحل جميع طعامنا لهم ؛ لأنه قال : (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) ؛ فعلى قولهم لكل واحد من الفريقين أن يتناول طعام الفريق الآخر ؛ دل على أن مخرج عموم اللفظ لا يوجب الحكم عامّا للفظ ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) :
اختلف فيه :
قال بعضهم : (وَالْمُحْصَناتُ) أراد به الحرائر (٣).
وقال آخرون : أراد به العفائف منهن غير زانيات (٤) ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) [النور : ٣] ، نهى عن نكاح الزانيات ، ورغب في نكاح العفائف ، وهذا أشبه من الأول ؛ لأنه قال في آخر الآية : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) ؛ دل هذا على أنه أراد بالمحصنات : العفائف منهن (٥) لا الحرائر ، ودلت الآية على حل نكاح الحرائر من الكتابيات ، وعلى ذلك اتفاق أهل العلم ، لكن يكره ذلك.
روي عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه كره تزوجهن (٦) ، فهذا عندنا على غير تحريم
__________________
ـ غير اسم الله ، وأنت تعلم ، فلا تأكل. وإذا غاب عنك فكل. فقد أحله الله لك. كذا في (اللباب) وقول الحسن ـ في هذا البحث ـ هو الحسن.
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٩ / ٥٧٨) ، رقم (١١٢٤٨) ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٦٢).
(٢) الأئمة الأربعة على عدم جواز ذبائح المجوس عبدة النار.
(٣) قاله مجاهد ، أخرجه عنه ابن جرير الطبري (٩ / ٥٨٢) ، برقمى (١١٢٥٦ ، ١١٢٥٧) ، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٢ / ٤٦٢).
(٤) قاله الضحاك ، أخرجه عنه عبد بن حميد كما في الدر المنثور.
(٥) في الأصول : منهم.
(٦) أخرجه ابن أبي شبية في المصنف (٣ / ٤٧٥) رقم (١٦١٦٥) عن نافع عن ابن عمر : أنه كان يكره نكاح نساء أهل الكتاب ، ولا يرى بطعامهم بأسا. وأخرجه أيضا برقم (١٦١٦٦) ، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (٢ / ٤٦٢) عن ميمون بن مهران عن ابن عمر ، بنحوه.