منه لتزويجهن (١) ، ولكن رأى تزويج المسلمات أفضل وأحسن ؛ لمشاركتها المسلم في دينها.
وروي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ كراهة (٢) ذلك ؛ وذلك لأن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ تزوج يهودية ؛ فكتب إليه عمر ـ رضي الله عنه ـ يأمره بطلاقها ، ويقول : «كفى بذلك فتنة للمسلمات» (٣) ، فهذا ـ أيضا ـ [لا](٤) على سبيل التحريم ، ولكن لما ذكر من الفتنة : فتنة المسلمات ، فأصحابنا ـ رحمهمالله ـ يكرهون أيضا تزويج الكتابيات ولا يحرمونه.
واختلف أهل العلم في تزويج إمائهن :
فتأول قوم قول الله ـ تعالى ـ : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) على الحرائر ، وتأوله آخرون على العفائف. وقد ذكرنا أن صرف التأويل إلى العفائف أشبه ؛ بدلالة قوله : (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) مع ما لو كانت المحصنات هاهنا هن الحرائر ، لم يكن فيه حظر نكاح إماء الكتابيات ؛ لأنه إباحة نكاح الحرائر من الكتابيات ، وليس في إباحة شيء في حال حظر (٥) غيره فيه ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك فيما تقدم ، فالمجوسية ليست عندنا من أهل الكتاب ؛ والدليل على ذلك قول الله ـ تعالى ـ : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ* أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) [الأنعام : : ١٥٥ ، ١٥٦] ، فأخبر الله ـ تعالى ـ أن أهل الكتاب طائفتان ؛ فلا يجوز أن يجعلوا ثلاث طوائف ، وذلك خلاف ما دل عليه القرآن ؛ ألا ترى [أنه لو قال رجل](٦) : «إنما لي عليك يا فلان ، درهمان» ، لم يكن له أن يدعي عليه أكثر من ذلك ، ولو قال : «إنما لقيت اليوم رجلين» ، وقد لقي ثلاثة ، كان كاذبا ؛ لأن قوله : [«إنما لقيت رجلين»](٧) ، كقوله : لقيت اليوم رجلين ، ولا يجوز مثل هذا في أخبار الله ؛ لأنه الصادق في خبره عزوجل.
فإن قيل : هذا شيء حكاه الله ـ عزوجل ـ عن المشركين ، وقد يجوز أن يكونوا
__________________
(١) في ب : في تزويجهن.
(٢) في أ : كرهه.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة (٣ / ٤٧٤) رقم (١٦١٦٣) ، والبيهقي في السنن (٧ / ١٧٢) من طريق الصلت بن بهرام عن شقيق قال : تزوج حذيفة يهودية ؛ فكتب إليه عمر : أن خلّ سبيلها ؛ فكتب إليه : «إن كانت حراما خلّيت سبيلها»؟! فكتب إليه : «إني لا أزعم أنها حرام ، ولكني أخاف أن تعاطوا المومسات منهن». وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (٦ / ٧٨) رقم (١٠٠٥٧) ، من طريق قتادة بنحوه.
(٤) سقط من ب.
(٥) في أ : نظر.
(٦) في ب : أن رجلا لو قال.
(٧) في ب : إنما لقيت اليوم رجلين.