كتموا وأخفوا من الناس ؛ دل ذلك لهم أنه إنما علم ذلك بالله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ)
اختلف في تأويله وقراءته :
قال بعضهم : «نبين» بالنون ، «ونعفو عن كثير» ، أي : الله يبين لكم (١) كثيرا مما كنتم تخفون [من الكتاب](٢) ، ويعفو الله ـ تعالى ـ عن كثير إذا آمنوا ورجعوا عما كانوا يخفون ويكتمون.
وقال آخرون : يبين لهم كثيرا ، أي : جميع ما كانوا يخفون ، ويعفو عن جميع ذلك.
وأمّا عندنا فقوله : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) بالياء ، أي : رسول الله يبين لهم كثيرا ، ويعفو عن كثير ، على قدر ما أذن له البيان لهم ؛ لأن الرسل إنما يأتون بالبراهين والحجج على قدر ما أذن لهم ، لا بكل ما لهم من الآيات ؛ ألا ترى أن سحرة فرعون لما ألقوا حبالهم وعصيهم فصارت حيات ، لم يلق موسى عصاه حتى أذن الله له في ذلك؟! وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ. وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ) [الأعراف : ١١٦ ـ ١١٧]. إنما أتى بالآية بعد ما أذن له بذلك ؛ فعلى ذلك قوله : (يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً) إنما يبين على قدر ما أذن له بالبيان والحجة ، والله أعلم.
وقوله : (مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ) : يحتمل مما كنتم تخفون من الكتاب : من الشرائع والأحكام ، ويحتمل : كتموا ما في الكتاب من نعت محمد صلىاللهعليهوسلم وصفته [الكريمة](٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ)
عن الحسن : النور والكتاب واحد ، وكذلك ما قال في قوله : (الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ) [البقرة : ٢٣١] هما واحد.
وقال غيره : النور : هو محمد ، والكتاب : هو القرآن (٤) ، سماه : نورا ؛ لما يوضح ويضىء كل شيء على ما هو عليه حقيقة ؛ وعلى ذلك يخرج قوله ـ عزوجل ـ : (اللهِ نُورٌ
__________________
(١) في ب : لهم.
(٢) سقط من ب.
(٣) سقط من ب.
(٤) ينظر : تفسير الرازي (١١ / ١٥٠).