القيامة بغير حق.
وتحتمل الآية وجها آخر ، وهو ما قيل : إنه (١) يجب عليه من القتل مثل ما أنه لو قتل الناس جميعا ، ومن أحياها أعطاه من الأجر مثل ما لو أنه أحيا الناس جميعا ، إذا أحياها فلم يقتلها وعفا عنها (٢).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : من أجل ابن (٣) آدم حين قتل أخاه كتبنا على بني إسرائيل : (أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ) بلا نفس وجب عليها القصاص (أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ) يقول : الشرك في الأرض ، (فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) يقول : يعذب عليها ؛ كما أنه لو قتل الناس جميعا لهم ، وهو مثل الأول.
وعن عبد الله بن عمرو قرأ : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ...) الآية قال : «لم يكن يؤخذ في بني إسرائيل أرش ، إنما كان قصاصا بقصاص» يقول : من قتل نفسا ، أو أفسد في الأرض جزاؤه كأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فعلى نحو ذلك.
ويحتمل قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) : أي : من استنقذ أحدا من مهلكة فكأنما استنقذ الناس جميعا في الآخرة.
وقيل : ومن أحياها بالعفو (٤) ـ أجر في إحيائها كما يؤجر من أحيا الناس جميعا (٥) ؛ إذ على الناس معونة ذلك ، فإذا عفا عنها فكأنما عفا عن الناس جميعا.
قال الحسن : ومن أحياها في الأجر ، أما والله من يستطيع أن يحييها إذا جاء أجلها؟! ولكنه أقيد فعفا.
ووجه آخر : أنه يلزم الناس جميعا دفع ذلك عن نفسه ومعونته له ، فإذا قتلها أو سعى عليها بالفساد فكأنما سعى بذلك على الناس كافة ؛ فعلى ذلك من أحياها فكأنما سعى في إحياء الناس جميعا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ)
__________________
(١) في ب : أن.
(٢) ينظر : تفسير الطبري (٤ / ٥٤٣)
(٣) في الأصول : ابني.
(٤) قاله ابن زيد ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥٤٤) ، رقم (١١٧٩٢) ، وقاله الحسن ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥٤٤) ، رقم (١١٧٩٣) وما بعده.
(٥) أخرجه الطبري (٤ / ٥٤٥) ، رقم (١١٨٠٦) ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٩١).