على غراب آخر (١) ، على ما ذكر في القصّة أن غرابا قتل آخر ، ثم جعل يبحث التراب عليه ؛ لأنه ذكر السوأة ، وليس للغراب سوأة ـ والسوأة : العورة ـ وذلك ليريه كيف يوارى سوأة أخيه لم يذكر السوأة في الغراب ، إنما ذكرها في أخيه ؛ من أجل أن يريه أن كيف يوارى سوأته ، والله أعلم.
وقوله : (قالَ يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ فَأُوارِيَ سَوْأَةَ أَخِي)
أي : أعجزت في الحيلة أن أكون مثل هذا الغراب ، فأوارى سوأة أخى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ...) الآية.
[أي : من استحل قتل نفس](٢) يحتمل وجوها :
يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) أي : من استحل قتل نفس حرّم الله قتلها بغير حق ، فكأنما استحل قتل الناس جميعا ؛ لأنه يكفر باستحلاله قتل نفس محرم قتلها ، فكان كاستحلال قتل الناس جميعا ؛ لأن من كفر بآية من كتاب الله يصير كافرا بالكل ؛ فعلى ذلك الأول ، إذا استحل قتل نفس محرمة يصير كأنه استحل قتل الأنفس كلها (٣).
ويحتمل : أن يكون هذا في أول قتيل قتل لم يكن قبل ذلك أحد ، فلما قتل هذا قتيلا جعل الناس يقتلون بعد ذلك بعضهم بعضا ، وكان ذلك (٤) منه سنة استن الناس به ؛ فهو كما روي في الخبر أن : «من سنّ سنّة سيّئة فله وزرها ، ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، من غير أن ينقص من وزرهم شيئا» (٥) ؛ فيشترك هذا القاتل في وزر كل قتيل قتل إلى يوم
__________________
(١) قاله الأصمّ ، كما في تفسير الرازي (١١ / ١٦٥).
(٢) سقط من ب.
(٣) ينظر : اللباب (٧ / ٣٠٢).
(٤) في أ : [واحدا ، فلما قتل هذا قتيلا جعل الناس يقتلون بعد ذلك بعضهم بعضا ، وكان] وهي تكرار.
(٥) أخرجه مسلم (٣ / ٤٠٧ ـ ٧٠٥) كتاب الزكاة : باب الحدث على الصدق ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار ، حديث (٦٩ ـ ١٠١٧) ، والترمذي (٥ / ٤٣) كتاب العلم : باب ما جاء فيمن دعا إلى هدى فاتّبع أو إلى ضلالة ، حديث (٢٦٧٤) ، والنسائي (٥ / ٧٥) كتاب الزكاة : باب التحريض على الصدقة ، حديث (٢٥٥٤) ، وابن ماجه (١ / ٧٤) المقدمة : باب من سن سنة حسنة أو سيئة ، حديث (٢٠٣) ، وأحمد (٤ / ٣٥٧ ، ٣٥٨ ، ٣٥٩) ، وابن أبي شيبة (٣ / ١٠٩ ـ ١١٠) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (١ / ٩٣) ، وابن حبان (٣٣٠٨) ، والطبراني في «الكبير» رقم (٢٣٧٢ ، ٢٣٧٣ ، ٢٣٧٤ ، ٢٣٧٥) ، والبغوي في «شرح السنة» (٣ / ٤١٦) كلهم من طريق المنذر ابن جرير عن أبيه به.
وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.