وانقادت له (١).
وقال أبو عوسجة : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ) : أي : أمرته وزينت له (٢).
وقال مجاهد : أي : شجعته وأعانته (٣) ، وكله يرجع إلى واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَصْبَحَ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، وقال في آية أخرى : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) [المائدة : ٣١] : يحتمل : وجهين :
يحتمل : أصبح تائبا ؛ لأن الندامة توبة ، وذلك أن من أذنب ذنبا فندم عليه كان ذلك منه توبة ، فإن لم يكن توبة فتأويل قوله : (فَأَصْبَحَ) : [أي](٤) : يصبح في الآخرة من النادمين ؛ وهو كقوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [المائدة : ١١٦] أي : يقول في الآخرة لا أن قال له ؛ فعلى ذلك قوله تعالى : (فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) : أي : يصبح من النادمين في الآخرة ـ والله أعلم ـ ويصبح من الخاسرين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) استدل من قال بأن القصّة كانت في بني آدم لصلبه : يقول : (فَبَعَثَ اللهُ غُراباً يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ) ؛ لأن القصة لو كانت في بني إسرائيل لم يكن ليجهل دفن الميت ؛ إذ قد رأى ذلك غير مرة وعاينه ؛ فدل أنه كان في أول ميت جهل السنة فيه (٥).
وقال من قال : إنهما كانا رجلين من بني إسرائيل ؛ إذ قد يجوز أن يخفى على المرء شيء علمه قبل ذلك وعاينه إذا اشتد به الخوف ونزل به الهول ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا) [المائدة : ١٠٩] ، وقد كان لهم علم بذلك ، لكن ذهب عنهم ـ والله أعلم ـ لشدة هول ذلك اليوم ، وخوفه ؛ فعلى ذلك الأول ، يجوز خفاء دفن الموتى بعد ما علمه ؛ لشدة الهول ، والله أعلم.
ثم اختلف فيما أخبر عن بحث الغراب في الأرض : قال الحسن ـ رضي الله عنه ـ : كان الغراب يبحث التراب على ذلك الميت ؛ ليرى ذلك القاتل ، لا أنه كان يبحث التراب
__________________
(١) قاله الطبري في تفسيره (٤ / ٥٣٥).
(٢) قاله قتادة ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥٣٦) ، رقم (١١٧٤٨) ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٨٧).
(٣) أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥٣٦) ، رقم (١١٧٤٥) وما بعده.
(٤) سقط من ب.
(٥) قاله الطبري في تفسيره (٤ / ٥٣٥).