والله أعلم ـ ما احتجوا به من الأخبار التي رويت في حال الفتن ، وقتال الفئتين اللتين لا إمام فيهما يستحق الإمامة ؛ لحمية أو أمر جاهلية أو عصبية ، فهما على خطأ ، فالصواب في مثله ما ذكر من الأخبار.
وأما إذا كان للناس إمام هدى : فقد عقدوا له البيعة ، فخرجت عليه خارجة ظالمة ، فقتالهم واجب ؛ اتباعا لعلي ـ رضي الله عنه ـ ومن حارب معه من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم أهل البغي والخوارج ، فأما قتال الخوارج : فهو كالإجماع ؛ لأن جميع الطوائف قد حاربوهم ، ورويت في ذلك آثار كثيرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ إلى هذا يذهب من رأى قتل من يهم بقتله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) : أن ترجع بإثمي بقتلك إياي ، وإثمك الذي عملته قبل قتلي (١).
قال القتبي : (بِإِثْمِي) : أن تقتلنى ، (وَإِثْمِكَ) : ما أضمرت في نفسك من الحسد والعداوة.
وقال الحسن : ترجع (بِإِثْمِي) بقتلك إياي ، (وَإِثْمِكَ) يعني : الكفر الذي كان عليه ؛ لأنه يقول : كان أحدهما كافرا فقتل صاحبه ؛ فيرجع بالكفر ، والله أعلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) : يجوز أن يتكلم بالإرادة على غير تحقيق الفعل ؛ كقول القائل : أريد أن أسقط من السطح ، وهو لا يريد سقوطه منه ؛ وكقوله : (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ) [الكهف : ٧٧] والجدار لا فعل له ، فإذا جاز إضافة الإرادة إلى من لا فعل يكون منه ؛ دل أنه ليس على حقيقة الفعل ، ولكن على ما يقع أنه يكون كذلك ، ويئول أمره إلى ذلك.
أو أراد أن يبوء بإثمه لما علم منه أنه يقتله لا محالة ، ويعصي ربه ، أراد (٢) أن يبوء بإثمه ؛ وذلك جائز ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ)(٣) : قال القتبي : أي شايعته ،
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه عنه عبد الرزاق في تفسيره (١ / ١٨٧) ، والطبري (٤ / ٥٣٣) ، رقم (١١٧٣٤) ، وقاله مجاهد ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥٣٣) ، رقم (١١٧٣٧) ، وعبد بن حميد وابن المنذر ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٨٥) ، وقاله ابن عباس وابن مسعود والحسن وقتادة ، كما في تفسير الرازي (١١ / ١٦٣) ، وهو قول أكثر العلماء ، قاله القرطبي في تفسيره (٦ / ٩١).
(٢) في ب : أو أراد.
(٣) قال القرطبي (٦ / ٩٣) : تضمنت هذه الآية البيان عن حال الحاسد ، حتى أنه قد يحمله حسده على إهلاك نفسه بقتل أقرب الناس إليه قرابة وأمسه به رحما وأولاهم بالحنو عليه ودفع الأذية عنه.