كان يجوز أن يدرأ الحد عن بعض السراق ، إذا سرقوا من محارمهم ، أو ممن له تأويل الملك في ماله أو شبهة التناول منه ؛ لأنه إذا سرق ممن ليس له ذلك التأويل ولا تلك الشبهة ـ قطع ؛ فدل أنها عامة في السراق ؛ وعلى هذا يخرج قول ابن عباس ؛ حيث سئل عن قوله ـ تعالى ـ : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) أخاص هو أم عام؟ فقال : «لا ؛ بل عام» (١) أي : عام في السراق ؛ ألا ترى أنه قال في خبر آخر ؛ حيث سئل عن ذلك فقال : «ما كان من الرجال والنساء قطع» (٢).
وأما قولنا : «خاص (٣) في السرقة» ؛ لأنه لا يحتمل قلب أحد قطع اليد في الشيء التافه الخسيس الذي إذا أخذ [منه](٤) دل أن الخطاب بذلك من الله ـ عزوجل ـ رجع إلى سرقة دون سرقة ، لا إلى كل ما يقع عليه اسم السرقة ؛ وكذلك الخطاب بقطع اليد رجع إلى بعض اليد ، وهو الكف ، وإن كان اسم اليد يقع من الأصابع إلى الإبط ؛ لأن الناس مع اختلافهم ـ اتفقوا على أن اليد لا تقطع من الإبط ولا من المرفق ، لكنهم اختلفوا فيما دون ذلك : فعلى قول بعضهم : تقطع الأصابع دون الكف ، وعندنا : أنه تقطع الأصابع بالكف (٥) ؛ لأنه بها يقبض الشيء ويؤخذ ؛ فمخرج الخطاب بالقطع عام ، والمراد منه : رجع إلى بعض اليد دون بعض.
وكذلك قوله تعالى : (فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(٦) مخرج الخطاب بالقطع عام ، ليس فيه
__________________
ـ وعند الحنفية : أخذ مكلف عاقل بالغ خفية قدر عشرة دراهم.
وعند المالكية : أخذ مكلف حرّا لا يعقل لصغره ، أو مالا محترما لغيره نصابا أخرجه من حرزه بقصد وأخذه خفية لا شبهة له فيه.
وعند الحنابلة : أخذ مال محترم لغيره ، وإخراجه من حرز مثله. الصحاح (٤ / ١٤٩٦) ، المغرب (١ / ٣٩٣) ، المصباح (١ / ٤١٩) ، تهذيب الأسماء للنووي (٤ / ١٤٨) ، درر الحكام (٢ / ٧٧) ، ابن عابدين (٤ / ٨٢) ، مغني المحتاج (٤ / ١٨٥) ، المغني لابن قدامة (٩ / ١٠٤) ، كشاف القناع (٦ / ١٢٩) ، الخرشي على المختصر (٨ / ٩١).
(١) أخرجه الطبري في تفسيره (٤ / ٥٧٠) ، رقم (١١٩١٩) ، ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٤٩٦) ، وزاد نسبته لابن أبي حاتم ، عن نجدة الحنفي قال : سألت ابن عباس.
(٢) أخرجه عبد بن حميد عن نجدة بن نفيع ، كما في الدر المنثور (٢ / ٤٩٦).
(٣) في ب : إنها خاص.
(٤) سقط من ب.
(٥) في ب : دون الكف.
(٦) قال القرطبي (٦ / ١٠٦) : اتفق جمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز ما يجب فيه القطع. وقال الحسن بن أبي الحسن : إذا جمع الثياب في البيت قطع. وقال أيضا في قول آخر مثل قول سائر أهل العلم ؛ فصار اتفاقا صحيحا.
وقال القرطبي أيضا (٦ / ١٠٨) : واختلف في قطع يد من سرق المال من الذي سرقه ؛ فقال ـ