حيث قال : «مضت السنة من رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعشرة دراهم» (١) وإن كان مرسلا ؛ إذ لا معارض له ، ويؤيد هذا ما روي عن نجباء الصحابة من نحو : عمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبد الله بن مسعود ، رضي الله عنهم.
وروي أن عمر أتى بسارق فأمر بقطعه ؛ قال عثمان ـ رضي الله عنه ـ : «سرقته لا تساوي عشرة دراهم» ؛ فأمر بها فقومت ثمانية دراهم ، فلم يقطعه (٢).
وعن ابن مسعود قال : «لا تقطع يد السارق في أقل من عشرة دراهم» (٣).
وعن علي ـ رضي الله عنه ـ قال : «لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم» (٤).
وروي عن عائشة قالت : «لم تكن اليد تقطع على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الشيء التافه» (٥) ، فأخذ أصحابنا ـ رحمهمالله ـ بهذه الأخبار ، ولم يروا قطع اليد بدون العشرة ؛ لأنهم مع اختلافهم اتفقوا على أن اليد تقطع في سرقة عشرة دراهم ، واختلفوا في وجوب القطع فيما دون العشرة وهو حد قد روي ؛ للإشكال ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللهِ ...) [الآية](٦) :
يحتمل قوله : (نَكالاً مِنَ اللهِ)(٧) ، أي عظة وزجرا من الله لغيره ؛ لأن من عاين آخر قطعت يده في سرقة ـ اتعظ به ، وزجره ذلك على الإقدام عليه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ ...) الآية
يحتمل : (تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ) أي : تاب عن الشرك ، وأصلح ما كان يفسده
__________________
(١) أخرجه أحمد (٢ / ١٨٠) ، والنسائي (٨ / ٨٤) من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
(٢) أخرجه عبد الرزاق (١٨٩٥٣).
(٣) أخرجه عبد الرزاق (١٨٩٥٠).
(٤) أخرجه عبد الرزاق (١٨٩٥٢).
(٥) أخرجه عبد الرزاق (١٨٩٥٩) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٨ / ٢٥٦).
(٦) سقط من ب.
(٧) قال القرطبي (٦ / ١١٤) : يقال : بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل السارقة ، وفي الزنى بالزانية قبل الزاني ما الحكمة في ذلك؟ فالجواب أن يقال : لما كان حب المال على الرجال أغلب ، وشهوة الاستمتاع على النساء أغلب بدأ بهما في الموضعين ؛ هذا أحد الوجوه في المرأة على ما يأتي بيانه في سورة «النور» من البداية بها على الزاني إن شاء الله. ثم جعل الله حد السرقة قطع اليد لتناول المال ، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر مع مواقعة الفاحشة به لثلاثة معان :
أحدهما : أن للسارق مثل يده التي قطعت فإن انزجر بها اعتاض بالثانية ، وليس للزاني مثل ذكره إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه.
الثاني : أن الحد زجر للمحدود وغيره ، وقطع اليد في السرقة ظاهر : وقطع الذكر في الزنى باطن.
الثالث : أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل ، وليس في قطع اليد إبطاله.