ويرتكبه في حال شركه.
(فَإِنَّ اللهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
وعد له المغفرة والرحمة ؛ إذا تاب عن الشرك ، وأصلح ما كان يفسده ويرتكبه في حال الشرك ، حتى لم يؤاخذ بشيء مما كان يرتكبه في حال الشرك ويتعاطاه إذا أسلم ؛ ألا ترى أنه قال ـ تعالى ـ : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] ، والمسلم في حال الإسلام إذا ارتكب حدودا وتعاطاها ، ثم تاب ـ أخذ بها ؛ لوجهين :
أحدهما : أن الكافر لو أخذ بعد ما أسلم بما كان ارتكب في حال الكفر وتعاطاه ؛ فذلك يمنعه عن الإسلام ويزجره ؛ فإذا كان كذلك فكان في إقامة ذلك والأخذ بها من الفساد أكثر من الصلاح.
وأما المسلم إذا لم يؤخذ بما ارتكب وتعاطى بعد التوبة ـ يدخل في ذلك من الفساد ما يفحش ؛ وذلك أنه كلما أريد أن يقام عليه الحد تاب فسقط ذلك عنه ، ثم عاد ثانيا ، ثم ثالثا ... إلى (١) ما لا يتناهى ، فعمل في الأرض بكل الفساد من غير أن لحقه ضرر ؛ لذلك أخذ به بعد التوبة ، والكافر لا ، والله أعلم.
والثاني : أن الكافر ما يرتكب ويتعاطى في حال الكفر ـ إنما يرتكبه تدينا يدين به ؛ فإذا رجع عن ذلك الدين ودان بدين آخر ما يكون ذلك حراما في دينه الذي تمسك به ـ ترك ما كان يرتكب في دينه الأول تدينا ؛ فيظهر ذلك منه ؛ فلم يقم عليه ؛ لما يظهر منه ترك ما تعاطى قبل ذلك.
وأما المسلم : فليس يتعاطى ما يتعاطى تدينا يدين به ؛ ولكنه يتعاطاه شهوة ، وذلك مما لا يظهر منه التوبة حقيقة ؛ لذلك اختلفا ، والله أعلم.
وفيه دليل جواز تأخر البيان (٢) ؛ لأنه قال تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً) ، ولا يحتمل أن يبين له جميع شرائط السرقة التي يجب فيها القطع وقت قرع الخطاب السمع ؛ فدل أنه إنما يبين له على قدر الحاجة بعد السؤال والبحث عنها ، والله أعلم.
وكأن جميع ما ذكر من العقوبات إنما نزل في أهل الكفر ؛ لأنهم هم الذين كانوا
__________________
(١) في ب : وإلى.
(٢) ينظر : البحر المحيط للزركشى (٣ / ٤٩٣) ، البرهان لإمام الحرمين (١ / ١٦٦) ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدى (٣ / ٢٨) ، نهاية السول (٢ / ٥٤٠) ، زوائد الأصول للأسنوي (ص ٣٠٤) ، منهاج العقول (٢ / ٢٢٠) ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري (ص ٨٦) ، التحصيل من المحصول للأرموى (١ / ٤٢٩) ، المنخول للغزالى (ص ٦٨) ، المستصفي له (١ / ٣٦٨).