يتعاطون ذلك دون المسلمين ، وترك عامة العبادات في المسلمين ؛ لأنهم هم الذين يرغبون فيها : من ذلك قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) الآية ، وما ذكر في ابنى آدم.
وقوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما ...) الآية : ذكر عن ابن عباس أنه قال : «نزلت في طعمة بن أبيرق (١) ؛ سرق درع جاره ؛ فنزلت الآية» ، وعلى ذلك قال عامة أهل التأويل ، ثم صار ذلك الحكم في المسلمين إذا ارتكبوا تلك الأجرام ، وفيه دليل جواز القياس ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ)
ذكر هذا ـ والله أعلم ـ على أثر قوله : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) ، وعلى أثر قوله : (الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...) الآية ـ : أن له ملك السموات والأرض ، وله أن يعذب من يشاء بعد التوبة وقبل التوبة ، ويغفر لمن يشاء ، ولا يعذب بعد التوبة ؛ وذلك أن المحارب إذا تاب قبل أن يقدر عليه لم يقم عليه الحد الذي وجب في حال (٢) المحاربة ، والسارق إذا تاب قبل أن يقدر عليه أخذ به. أخبر أن له أن يعذب من يشاء (٣) [و] يغفر لمن يشاء (٤).
وفيه نقض على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : الصغيرة مغفورة ليس له أن يعذب عليها ، والكبيرة يخلد صاحبها في النار ليس له أن يعفو عنها (٥). فلو كان على ما قالوا لذهب معنى التخيير بقوله ـ تعالى ـ : (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) إذا ما عفا : عفا ما عليه أن يعفو ، وكذلك ما عذب : عذب ما عليه أن يعذب ؛ فيذهب فائدة التخيير ، وقد أخبر أنه (يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ
__________________
(١) طعمة بن أبيرق بن عمر الأنصاري ، ذكره أبو إسحاق المستملى في الصحابة ، وقال : شهد المشاهد إلا بدرا ، وساق له حديثا وقال : وقد تكلم في إيمان طعمة. ينظر : الإصابة رقم (٤٢٦٤) ، أسد الغابة ت (٢٦٠٨) ، والبداية والنهاية (٧ / ١٥٦).
(٢) في ب : مال.
(٣) في ب : شاء.
(٤) في ب : شاء.
(٥) في ب : عنه.