الذين أسلموا ، أو من الأحبار من قد أسلم. أخبر أن النبيين والأحبار الذين أسلموا يحكمون بما في التوراة (لِلَّذِينَ هادُوا) ، أي : على الذين هادوا ؛ (لِلَّذِينَ) بمعنى : على الذين ؛ وهذا جائز في اللغة ؛ كقوله : (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) [الإسراء : ٧] ، أي : فعليها.
وقيل : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) ، أي : أسلموا أمرهم وأنفسهم لله ، وخضعوا له ، حكموا بما فيها ، وإن خافوا على أنفسهم الهلاك (لِلَّذِينَ هادُوا) إن أطاعوا الله ، وقبلوا ما فيها من الحكم ؛ فعند ذلك يحكم لهم (١).
وقوله : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ)
هو طلب الحفظ ، أي : بما جعل إليهم الحفظ.
(وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ).
أي : شهداء على ما في التوراة من الحكم.
ويحتمل : شهداء على حكم رسول الله الذي حكم عليهم ، أنه كذلك في التوراة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) فيما تحكم عليهم ، (وَاخْشَوْنِ)
أمن رسوله صلىاللهعليهوسلم شرهم ونكبتهم ، وأمر أن يخشوه ؛ يكفيه شرهم وأذاهم.
ثم اختلف في الأحبار والربانيين : قال بعضهم : (الرَّبَّانِيُّونَ) : علماء اليهود ، «والأحبار» : علماء النصارى. وهما واحد سموا باسمين مختلفين (٢).
وقيل : قوله : (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) إنما خاطب علماؤهم ، أي : لا [تخشوا الناس](٣) أن تخبروهم بالحكم الذي في التوراة واخشون.
(وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً)
لهم خرج الخطاب بهذا على التأويل الثاني.
(وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ)
هكذا من جحد الحكم بما أنزل الله ولم يره حقّا فهو كافر.
ذكر في القصّة أن الآية نزلت في قتيل كان بين بني قريظة وبني النضير : أن بني النضير إذا قتلوا من بني قريظة لم يرضوا إلا بالقود ، والأخرى إذا قتلت أحدا منهم كانوا لم يعطوهم القود ، ولكن يعطوهم الدية ؛ فنزل : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ
__________________
(١) ينظر : مفاتيح الغيب (١٢ / ٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٦ / ١٢٣).
(٢) قال قتادة : «الربانيون» : فقهاء اليهود ، و «الأحبار» : علماؤهم. أخرجه عنه الطبري (٤ / ٥٩٠) ، رقم (١٢٠٢٠).
(٣) في أ : تخشون.