أَوْ دَيْنٍ) ـ أن العبادات لا توصف بالديون ، ولا تفهم من إطلاق القول بالديون ؛ فصارت بمعنى الفضل عن الوصايا والديون إلى أن يؤجل ، وهو الحقيقة ؛ ألا يكون للمولى على عبده دين ؛ فيكون المذكور دينا في الأفعال ؛ كما ذكرت العدات دينا في الأخلاق ، لا في حقيقة الذمم ، مع ما كانت هي لله ، وقد جعل الله له فريضة لأقوام (١) بأعيانهم ، لا تمنع عنهم إلا بالوصية ، كما جعل للموصى.
وعلى أن العبادات لا تقوم إلا بالبينات ، ولا تؤدى عن أحد في حياته إلا بأمره ، وإن احتمل قيام بعض منها عن بعض ، وسائر الديون تجوز دونه ؛ فعلى ذلك بعد الوفاة ، وإن كان كل ما يؤدى به فهو الذي حدّت به الوصية ، وقد جاء الحد لها مع ما كانت العبادات لا تحتمل لحوق الأموات ولا الإيجاب عليهم في أموالهم ، ثبت أنها حقوق الحياة خاصة ، والديون تحتمل ، فهي حقوقهم في الحالين.
ثم قد ذكر في الدين (غَيْرَ مُضَارٍّ) ؛ بل الدين أقرب إلى حرف الثنيا ، ومعلوم أنه لا يقع منه في الديون الظاهرة المعلومة مضارة بالورثة إن كان يقع ، يقع في الغرماء ؛ إذ يؤخذ منه بلا إيصاء ، ولا يحتمل النهي من حيث الغرماء ؛ لما فيه إلزام المكاسب في أوقات العجز لقضاء الديون ؛ فثبت أن ذلك فيما لا يعرف من الديون ؛ وإنما يرجع فيها إلى قوله ؛ فبطل بالذي ذكرته جواز إقراره على كل حال لكل أحد ؛ إذ لا ضرر يقع من حيث فعله فيرد ، وقد بينا أن المضارة في هذا تمنع الجواز ؛ فثبت أن من الإقرار ما لا يجوز ، فقال أصحابنا ـ رحمهمالله ـ : لا يجوز إقراره لبعض الورثة وقت الإياس (٢) من نفسه ؛ لأنه
__________________
(١) في ب : الأقوام.
(٢) لا يجوز إقرار المريض لوارثه بدين أو عين ، سواء أقر له منفردا أو له ولأجنبي معه ـ إلا بإجازة الورثة ؛ لحديث : «لا وصية لوارث» ، وهو يدل على نفس الإقرار بالطريق الأولى ؛ لأن الموصي له يأخذ ثلث المال ، أما المقر له فإنه يأخذ المال كله ، ومنع الأقل يدل على منع الأكثر بالطريق الأولى. ولما روي عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ أنهما قالا : (إذا أقر المريض لوارثه ـ لم يجز ، وإذا أقر لأجنبي جاز) ، وفي رواية أن ابن عمر قال : «وإذا أقر الرجل في مرضه لرجل غير وارث ـ فإنه جائز ، وإن أحاط ذلك بماله. وإن أقر لوارث فهو باطل ، إلا أن يصدقه الورثة». وقول الواحد من فقهاء الصحابة مقدم على القياس ... ويقال إن أحدا من الصحابة لم يخالف في ذلك ؛ فكان إجماعا .. ولأن المريض متهم في هذا الإقرار ؛ إذ هو لوارث ، ويجوز أنه أراد إيثار بعض ؛ ورثته على بعض استجابة لميل طبيعى ، أو بسبب عمله معه استوجب منه ذلك ؛ فأراد تنفيذ غرضه : عن طريق الإقرار من غير أن يكون عليه دين للوارث المقر له في الواقع ؛ فلا ينبغى مساعدته على تنفيذ غرضه الذي يترتب عليه الإضرار بباقى الورثة.
ينظر : المبسوط (١٨ / ٢٤) ، بدائع الصنائع (٧ / ٢٢٦) ، المغني لابن قدامة (٥ / ١٢٦) ، أسنى المطالب (٢ / ٢٩٠) ، المدونة (٤ / ٦٦).