وقت الإيثار ، والسخاء بما عنده من المال ، ولوقت السخاء ما أبطل وصيته للوارث بما يخرج مخرج الإيثار ، فنحن إذا أجزنا إقراره فيهن لنظره لم يمنع الوصية أن (١) ينتفع ؛ بل يذهب الكل ، وفي الأول لم يكن يذهب ، والله أعلم.
ثم الأصل أنه أجيز في الكل بحق الأمانة ، ووصيته بحق الفضل ثم جعل في وارثه كمن لا ملك له ؛ إذ قد يقصد به التفضيل والتخصيص إلى القربة ؛ فعلى ذلك فيما خان في الأمانة يجعل كمن لا أمانة له لما يخرج ، على ما بينا ، وإسقاط الأخبار ؛ لتوهم من الأمناء أوجد في الأحكام ، ومن إسقاط المعروف عن الأملاك ، والله أعلم.
وعلى ذلك فيما كانت عليه ديون ظاهرة قد يبقى الضرر بأهلها لبعض من له بشأنه عناية ، وفيما بينهما حقوق تحت على المعروف والصلة له وقت السخاء بماله ، وللعلم بأنه عن الانتفاع به عاجز ؛ فيقر لهم ذلك بتهم في الحقوق التي ظهرت ، ثم كانت عبادات الأموال قد تقام عن الأموات بالأمر ، ولا تقام عبادات الأفعال لوجهين :
أحدهما : جواز بعض في أحد عن بعض النوعين فيما للعباد بلا أمر في الحياة ، ولا يجوز في الآخر ؛ فمثله العبادات بالأمر.
والثاني : أن السبب الذي به تجب عبادات الأموال قد يجوز أن يوجب على نفر بالتحول من ملك إلى ملك ، وما له تجب عبادات الأفعال يجوز فعل ذلك حق القيام بالأفعال ، وعلى ذلك النيات ؛ إذ ليست من الحقوق التي تتصل بالأموال في شيء من الأمور لم يقم بها أحد عن أحد ، لذلك لم يجز إلا بأمر ؛ فيكون الأمر بالأمر لما أمرنا به نادرا ، والله أعلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً).
اختلف فيه :
قال بعضهم : هذا في الدنيا ، وهو أن يلزم الابن نفقة والده عند الحاجة والقيام بأمره ، والأب يلزم أن ينفق على ولده في حال صغره ، وعند الحاجة إليه ، والقيام بحفظه ، وتعاهده ، فإذا كان ما ذكرنا لم يدر أيهما أقرب نفعا : نفع هذا لهذا ، أو هذا لهذا.
ويحتمل أن يكون قال : لا تدرون أنتم أي نفع أقرب إليكم : نفع الآباء أو الأبناء ، فإن كان التأويل ما ذكرنا ؛ ففيه دلالة بطلان شهادة [الوالد لولده ، وشهادة الولد لوالده](٢) ؛ إذ
__________________
(١) في ب : لا.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في أ : الولد لوالده ، وفي ب : الوالد لولده ، وشهادة الوالد لولده (هكذا مكررا) ، ولعل صواب العبارة ما أثبت.