أخبر أن لهذا نفعا في مال هذا ولهذا نفعا في مال هذا ، فإذا ثبت النفع لم تقبل شهادة من ينتفع بشهادته ؛ ولهذا قال أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ : لا يجوز للوكيل بالبيع أو الشراء أن يبيع من أبيه ، أو ابنه ، أو والدته (١) ؛ لما ينتفع ببيعه منه وبالشرى منه. وكذلك قالوا : إذا اشترى من هؤلاء فليس (٢) له أن يبيع مرابحة (٣) ، إلا أن يبين ؛ لأنه ينتفع به.
وقيل : هذا في الآخرة (٤).
وروي عن ابن عباس ـ رضي الله عنه (٥) ـ : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) ، يقول : أطوعكم لله من الآباء والأبناء : أرفعكم درجة عند الله يوم القيامة ؛ [لأنه ـ تعالى ـ](٦) يشفّع المؤمنين بعضهم في بعض.
وقيل : قوله : (لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ) أنتم في الدنيا (أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً) ، يقول : أخصّ لكم نفعا في الآخرة في الدرجات الوالد لولده ، أو الولد لوالده ؛ إذ هم في الدنيا لا يدرون أيهم أقرب لصاحبه نفعا في الآخرة حتى يرجعوا في الآخرة قال : فإن كان الوالد أرفع درجة في الجنة من ولده رفع الله ـ تعالى ـ إليه ولده في درجته ؛ لتقر بذلك عينه ، وإن كان الولد أرفع درجة من والده رفع الله ـ تعالى ـ الوالدين إلى الولد في درجته ؛ لتقر بذلك
__________________
(١) في ب : ووالدته.
(٢) في ب : ليس.
(٣) بيع المرابحة : المرابحة : مفاعلة من الربح ، وهي تستلزم المشاركة من الجانبين في المعنى ، ولكنها هنا ليست على بابها ؛ لأن الذي يربح إنما هو البائع.
وقيل : هي بمعنى الإرباح ؛ كالمسافرة بمعنى السفر ، وهي في اصطلاح الفقهاء : نقل ما ملكه بالعقد الأول بالثمن الأول مع زيادة ربح ، سواء كان هذا الربح مقسّطا على الثمن باعتبار الأجراء : كربح واحد لكل عشرة من الثمن ، أو كان جملة معلومة زائدة على الثمن الأصلى ، كأن يقول : بعتك بما اشتريت مع ربح عشرة ، مثلا.
ويشترط فيها شروط البيع في الجملة ؛ لأنها ليست سوى نوع منه ، وفيها تفصيل يطول ؛ لا سيما على مذهب المالكية ، وبيع المرابحة جائز شرعا ؛ لأن شرائط الجواز التي لا بد منها في البيع متوفرة فيها ؛ فتكون حلالا بموجب قوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) [البقرة : ٢٧٥]. وأيضا : الحاجة ماسة إلى هذا النوع من البيوع ؛ لأن المشتري قد لا يحسن المبايعة ؛ فيحتاج إلى أن يعتمد فعل الذكي المهتدي ؛ فتطيب نفسه بالشراء منه بمثل ما اشترى مع زيادة ربح. ينظر : بدائع الصنائع (٥ / ١٣٥) ، تبيين الحقائق (٤ / ٧٣) ، المغني لابن قدامة (٤ / ١٢٩) ، أسنى المطالب (٢ / ٩٢) ، المنتقى شرح الموطأ (٥ / ٤٧) ، التاج والإكليل (٦ / ٤٣٣).
(٤) أخرجه ابن جرير (٨ / ٤٩) (٨٧٤٣) عن السدي ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٢٤) وعزاه لابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي.
(٥) أخرجه ابن جرير ٨ / ٤٩ (٨٧٤٠) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٢٤) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٦) بدل ما بين المعقوفين في ب : لأن الله ، سبحانه وتعالى.