وقوله ـ عزوجل ـ : (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ)
أخبر أنه كان مصدقا ما بين يديه من التوراة ؛ فهذا يدل أن الأنبياء ـ صلى الله عليهم وسلم ـ كان يصدق بعضهم بعضا فيما أنزل عليهم من الكتب ، تأخر أو تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ)
[(هُدىً)] : من الضلالة لمن تمسك به ، (وَنُورٌ) لمن عمى ولمن استناره.
(وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْراةِ)
فهذا يدل أن الكتب كانت مصدقة بعضها بعضا على بعد أوقات النزول [مما] يدل : أنه من عند واحد نزل ، جل الله عما يقول الظالمون علوّا كبيرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ)
يحتمل : موعظة للمؤمنين ؛ لأن المؤمن هو الذي يتعظ به ، وأما غير المؤمن فلا يتعظ به.
ويحتمل قوله : (وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) : الذين اتقوا المعاصى كلها.
وفي قوله : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ، وكذلك قوله ـ تعالى ـ : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ) [البقرة : ١٧٨] ـ دلالة أن القصاص للعبد (١) خاصة ؛ حيث رغبه في العفو عنه والترك له ، ليس كالحدود التي هي لله تعالى ؛ لأنه لم يذكر في الحدود العفو ولا التصدق به ، وذكر في القصاص والجراحات ؛ دل أن ذلك للعبد : له تركه ، وسائر الحدود لله ليس لأحد إبطالها (٢) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِما أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ)(٣).
ذكر في موضع : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ، وفي موضع :
(الظَّالِمُونَ) ، وفي موضع : (الْفاسِقُونَ) فأمكن أن يكون كله واحدا (٤) : أن من لم يحكم بما أنزل الله جحودا منه له ، واستخفافا ؛ فهو كافر ، ظالم ، فاسق.
ويحتمل أن يكون ما ذكر من الكفر بترك الحكم بما أنزل الله ؛ إذا ترك الحكم به
__________________
(١) في ب : للعباد.
(٢) في الأصول : إبطاله.
(٣) قال القاسمي (٦ / ٢٣١) : في هذه الآية والآيتين المقدمتين من الوعيد ما لا يقدر قدره ، وقد تقدم أن هذه الآيات وإن نزلت في أهل الكتاب فليست مختصة بهم ؛ بل هي عامة لكل من لم يحكم بما أنزل الله ؛ اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، ويدخل فيه السبب دخولا أوليّا.
(٤) في أ : كلمة واحدة.