أن جماعة لو قتلوا رجلا قتلوا به ، ولو قطع جماعة يد رجل لم تقطع أيديهم ؛ فالتفاضل في الأنفس غير معتبر به ، ويعتبر به فيما دون النفس ، وقد ذكرنا هذه المسألة فيما تقدم ذكرا كافيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ)
اختلف فيه :
قال بعضهم : هو صاحب الدم كفارة لما كان ارتكب هو (١) ، وعلى ذلك روى عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من تصدّق بدم فما دونه كان له كفّارة من يوم ولد إلى يوم تصدّق» (٢).
وقال بعضهم : قوله : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) ، يعنى : كفارة للقاتل إذا عفا الولى ، وهو قول ابن عباس ، رضي الله عنه (٣).
وعن مجاهد : هو كفارة للجارح ، وأجر المتصدق على الله (٤).
والأوّل كأنه أقرب وأشبه ، والله أعلم (٥).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)
هذا إذا ترك الحكم بما أنزل الله جحودا منه ، فهو ما ذكر ، كافر.
(وَقَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)
قوله تعالى : (وَقَفَّيْنا) : أي : أتبعنا على آثارهم ، وهو من القفا.
وقوله : (آثارِهِمْ) يحتمل وجهين :
يحتمل : على آثار الرسل.
ويحتمل : على آثار الذين أنزل فيهم التوراة.
__________________
(١) قاله عبد الله بن عمرو ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٦٠٠) ، رقم (١٢٠٧٨) وما بعده ، والبيهقي في السنن (٨ / ٥٤) ، والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٢ / ٥١٠). وقاله أيضا جابر بن زيد ، والحسن والشعبي وقتادة. ينظر : الدر المنثور.
(٢) أخرجه أبو يعلى (٦٨٦٩) ، وذكره الهيثمي في «المجمع» (٦ / ٣٠٥) وقال : رجاله رجال الصحيح غير عمران بن ظبيان ، وقد وثقه ابن حبان ، وفيه ضعف.
(٣) أخرجه سعيد بن منصور (٤ / ١٤٩٢) ، رقم (٧٥٨) ، والطبري (٤ / ٦٠١) ، رقم (١٢٠٩١) ، والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ كما في الدر المنثور (٢ / ٥١١). وعند بعضهم زيادة : وأجر المتصدق على الله.
(٤) أخرجه الطبري (٤ / ٦٠١) ، رقم (١٢٠٩٥ ، ١٢٠٩٨) عن مجاهد وإبراهيم ، (١٢١٠٠ ، ١٢١٠٤) عن مجاهد وحده.
(٥) وإلى هذا ذهب الطبري في تفسيره (٤ / ٦٠٢).