ويحتمل : على الابتداء على غير إخبار منه ، ولكن على الإيجاب ابتداء ؛ والذي يدل على ذلك قوله : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) لا يحتمل أن يكون هذا في الخبر ؛ لأن ذلك ترغيب في العفو في الحادث من الوقت ؛ دل أنه ليس على الإخبار ، ولكن على الابتداء ؛ ألا ترى أكثر القراء قرءوا بالرفع غير قوله : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ، فإنه بالنصب؟!.
ثم ذكر (وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ) ، ولم يذكر اليد والرجل ، وذلك يحتمل وجهين :
أحدهما : لما يحتمل أن يكون القصاص في اليد ظاهرا ، فيستدلّ بوجوبه فيما هو أخفي على وجوبه ـ فيما هو أظهر منه ؛ لأن المنتفع بالبصر والأنف والسمع ليس إلا صاحبه ، وقد يجوز أن ينتفع غيره بيد آخر وبرجله.
والثاني : أن يكون وجوب القصاص في اليد في قوله : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ).
ثم تخصيص الأسنان بوجوب القصاص دون غيرها من العظام ؛ لأن الأسنان بادية ظاهرة ، يقع عليها البصر ـ يقدر على الاقتصاص [فيها] ، وأما غيرها من العظام : مما لا يقع عليها البصر ، ولا يقدر على الاقتصاص [فيها] إلا بعد كسر آخر وقطع لحم ؛ لذلك خصت الأسنان بالاقتصاص دون سائر العظام ، والله أعلم.
ثم فيه دليل وجوب القصاص في العضو الذي لا منفعة (١) فيه سوى البهاء (٢) ـ بذهاب البهاء ؛ لأنه ذكر الأنف والأذن ، وليس في الأنف والأذن إلا ذهاب البهاء ؛ فأوجب في ذهاب البهاء القصاص ؛ كما أوجب في ذهاب المنفعة ؛ وعلى هذا يخرج قولنا : وجوب الدية في ذهاب البهاء على الكمال ، كوجوبها في ذهاب المنفعة على الكمال.
[على أن](٣) أهل العلم مجمعون أن القصاص واجب بين الرجال الأحرار في «العين ، والأنف» «والأذن ، والسن» ، «والجروح» التي ليس فيها كسر عظم ؛ إذا جنى على شيء من ذلك عمدا بحديدة.
وأما القصاص بين الرجال والنساء والعبيد والأحرار فيما دون النفس : فأهل العلم اختلفوا فيه ، وكان أصحابنا ـ رحمهمالله ـ لا يرون القصاص بينهم في ذلك ، ويرون القصاص في الأنفس ، [فأهل العلم اختلفوا فيه](٤) ، ويفرقون بينهما ، والفرق بينهما :
__________________
(١) في أ : منتفعة.
(٢) البهاء : الحسن والجمال. ينظر : المعجم الوسيط (١ / ٧٤).
(٣) في أ : هل.
(٤) سقط من ب.