وقال أصحابنا : المشيئة مشيئة الاختيار ، وقد ذكرناها في غير موضع (١).
وقوله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ).
قيل : سابقوا يا أمة محمد الأمم كلها بالخيرات (٢).
ويحتمل قوله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ).
أي : سابقوا إلى ما به تستوجبون المغفرة ؛ كقوله : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [الحديد : ٢١].
وأصل قوله : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) ، أي : اعملوا الخيرات ؛ كقوله : (وَاعْمَلُوا صالِحاً ...) الآية [سبأ : ١١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ)
نهى رسوله ـ عليهالسلام ـ أن يتبع أهواءهم ـ على العلم : أنه لا يتبع أهواءهم ـ والوجه فيه ما ذكرنا : أن العصمة لا تمنع النهي ؛ بل تؤيد ، وقد ذكرنا فيما تقدم.
ويحتمل أن يرجع النهي إلى غيره ، ويراد بالنهي والأمر : غير المخاطب به ؛ على ما ذكرنا من عادة الملوك : أنهم إذا خاطبوا ، خاطبوا من هو أجل عندهم وأعظم قدرا ، وأرفع منزلة ؛ فعلى ذلك هذا. وقوله : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) فيما غيروا وبدلوا ؛ هذا يحتمل.
ويحتمل ألا تتبع أهواءهم : فيما طلبوا منك من الجلد مكان الرجم ، أو الدية مكان القصاص ؛ لما رأى بنو النضير لأنفسهم من الفضل على بني قريظة ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ).
قوله : (أَنْ يَفْتِنُوكَ) ، أي : يصدوك عن الحكم ببعض ما أنزل الله إليك ، والفتنة هي المحنة ، وهي تتوجه إلى وجوه ، وقد ذكرنا الوجوه فيه فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ).
[قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) : فإن أعرضوا](٣) عن الحكم الذي تحكم بما أنزل الله ؛ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ) ، اختلف فيه :
قال بعضهم : إنما يعذبهم الله ببعض ذنوبهم ، لا يعذبهم بجميع ذنوبهم.
وقال آخرون : عذاب الدنيا عذاب ببعض الذنوب ، ليس هو عذابا بكل الذنوب ؛ لأنه لا
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي «مفاتيح الغيب» (١٢ / ١٢).
(٢) ينظر : تفسير الطبري (٤ / ٦١٣) ، وتفسير الرازي (١٢ / ١٣).
(٣) في ب : قوله : (قولوا) : أعرضوا.