وقوله ـ تعالى ـ : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) ، وليس في نسخ شريعة بشريعة خروج عن الحكمة [عند] من عرف النسخ ؛ لأن النسخ بيان منتهي الحكم إلى وقت ليس على ما فهمت اليهود من البداء والرجوع عما كان ، وقد ذكرنا الوجه في ذلك فيما تقدم (١) ما فيه مقنع بحمد الله تعالى ومنّه.
[وقوله ـ عزوجل ـ : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً)](٢)
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «الشرعة : هي السبيل ، وهي الشريعة ، وجمعها : شرائع ، وبها سميت شرائع الإسلام ، وكل شيء شرعت فيه فهو شريعة.
وقال : «المنهاج : السنة ، [والشرعة : هي السبيل» (٣)](٤).
وقيل : الشرعة : السنة ، والمنهاج : السبيل (٥) ، يعني : الطريق الواضح الذي يتضح لكل سالك فيه إلا المعاند والمكابر ؛ فإنه يترك السلوك فيه مكابرة ، يخبر ـ عزوجل ، والله أعلم ـ أنه لم يترك الناس حيارى لم يبين لهم الطريق الواضح يسلكون فيه ؛ بل بيّن لهم ما يتضح لهم إن لم يعاندوا ؛ ليقطع عليهم (٦) العذر والحجاج ، وإن لم يكن لهم حجاج ، وبالله التوفيق.
وقوله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً).
اختلف فيه ، قيل : لو شاء الله ، لجعلكم جميعا على شريعة واحدة ، لا تنسخ بشريعة أخرى ، لكن نسخ شريعة بشريعة أخرى ؛ لفضل امتحان ، ولله أن يمتحن عباده بمحن مختلفة ، كيف شاء بما شاء (٧).
وقيل : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ، أي : على دين واحد ، وهو دين الإسلام ، لم يجعل كافرا ولا مشركا ، ولكن امتحنكم بأديان مختلفة على ما تختارون وتؤثرون ، ثم اختلف في المشيئة :
قالت المعتزلة : هي مشيئة الجبر والقسر.
__________________
(١) وذلك في قوله ـ تعالى ـ : (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [البقرة : ١٠٦].
(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : وقوله : (شِرْعَةً).
(٣) أخرجه الطبري (٤ / ٦١١) ، رقم (١٢١٤٨) وما بعده ، وعبد بن حميد وسعيد بن منصور والفريابي وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه ، كما في الدر المنثور (٢ / ٥١٣). بلفظ : «سبيلا وسنة». وأخرجه الطبري (١٢١٣٦) وما بعده بلفظ : «سنة وسبيلا».
(٤) سقط من ب.
(٥) قاله مجاهد ، أخرجه عنه الطبري (٤ / ٦١١) برقمي (١٢١٤٦ ، ١٢١٤٧).
(٦) في الأصول : لهم.
(٧) ينظر : الجامع لأحكام القرآن (٦ / ١٣٧).