الْحَقِ)(١).
يحتمل قوله : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) من الرجم في الزاني الثيب ، على ما ذكر في بعض القصة : أنهم رفعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الزاني والزانية منهم ، فطلبوا منه الجلد ، وكان في كتبهم الرجم.
(وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) قولهم : (إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا).
أو أن يقال : احكم بينهم بما أنزل الله من القتل ؛ لأنه ذكر في بعض القصة أن بني قريظة كانوا يرون لأنفسهم فضيلة على بني النضير ، وكانوا إذا قتلوا منهم أحدا لم يعطوهم القود ولكن يعطوهم الدية ، وإذا قتلوا هم أحدا منهم لم يرضوا إلا بالقود ؛ فأنزل الله ـ تعالى ـ : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) وهو القتل ، (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) في تركهم القود ، وإعطائهم الدية ، والله أعلم بالقصة أن كيف كانت (٢) ، وليس بنا إلى معرفة القصة ومائيتها حاجة ، بعد أن نعرف ما أودع فيه وأدرج من المعاني.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ...) [الآية](٣).
فإن قيل : كيف نهاه عن اتباع أهوائهم ، وقد أخبر ـ عزوجل ـ : أنه جعل لكل شرعة ومنهاجا ، وقد يجوز أن يكون ما هو هواهم شريعة لهم؟! :
قيل : يحتمل النهي عن اتباع هواهم ؛ لما يجوز أن يهووا الحكم بشريعة قد نسخ الحكم بها لما اعتادوا العمل بها ؛ فالعمل بالمعتاد من الحكم أيسر فهووا ذلك. أو كان ما نسخ أخف ؛ فيهوون ذلك ؛ فنهاه عن اتباع هواهم ؛ لأنه العمل بالمنسوخ والعمل بالمنسوخ حرام.
أو أن هووا (٤) في بعض على غير ما شرع ، وفي بعض : ما شرع ، فإنما نهي عن اتباع هواهم بما لم يشرع ، والله أعلم.
__________________
(١) قال القاسمي (٦ / ٢٣٢) : قال في الإكليل : هذا ناسخ للحكم بكل شرع سابق : ففيه أن أهل الذمة إذا ترافعوا إلينا يحكم بينهم بأحكام الإسلام لا بمعتقدهم ، ومن صور ذلك عدم ضمان الخمر ونحوه.
وقال : وفي الإكليل : استدل بهذه الآية من قال : إن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا. وبقوله : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ ....) [المائدة : ٤٥] الآية من قال : إن شرع لنا ما لم يرد ناسخ. واستدل بالآية أيضا من قال : إن الكفر ملل لا ملة واحدة ، ولم يورث اليهود من النصارى شيئا. ا ه.
(٢) قلت : هذا عكس ما جاء في الأحاديث ، وقد مضى حديث ابن عباس : «وكان النضير أشرف من قريظة». ينظر : تفسير الطبري (٤ / ٥٨٣) ، والدر المنثور (٢ / ٥٠٤) ، وسيذكره المصنف بعد قليل على الصواب. ولفظه : «لما رأى بنو النضير لأنفسهم من الفضل على بني قريظة».
(٣) سقط من ب.
(٤) في الأصول : أو أن كان هودا.