من تولاهم من المسلمين صار منهم ، ونحن لا نرث اليهود والنصارى ، كيف ورث من صار منهم من المسلمين؟! :
قيل : معنى قوله : (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) في الدين والكفر ، لا في الحكم والحقوق ؛ لأن المرتد إلى النصرانية ليس بمتروك على دينه ، فلم يكن من أهل تلك الملة ؛ وإنما الملة ما يقرّ عليها أهلها ؛ ألا ترى أن المرتد لا يرث النصراني إن كانوا أقرباء ، فلو كانت النصرانية له ملة ورثه أهلها ؛ لأنا نعلم أن النصارى يرث بعضهم بعضا ؛ فلمّا لم يرثوه دل ذلك على أنه ليس من ملتهم ، وأن حكمه في الميراث حكم الملة التي يجبر على الرجوع إليها ، وعلى ذلك جاءت الآثار عن الصحابة : روي عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه أتى برجل ارتد عن الإسلام ، فعرض عليه الإسلام ، فأبى ؛ فضرب عنقه ، وجعل ميراثه لورثته المسلمين. وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كذلك.
وروي عن زيد بن ثابت مثله (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ).
قد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ).
وهم المنافقون ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [محمد : ٢٩] إلى قوله : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) [محمد : ٣٠] ، وهو وصف المنافقين.
(يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) : كانوا يظهرون الموافقة للمسلمين ؛ خوفا منهم ، وفي السر مع الكفرة ؛ لأنهم كانوا أهل ريب وشك ، ولا دين لهم ، يميلون إلى من رأوا السعة معهم والأمن ، وكانوا على شك من أمر محمد صلىاللهعليهوسلم وريب ، (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) : لعل محمدا لا ينصر ولا يتم أمره ؛ فأسروا في أنفسهم الموافقة (٢) للكفر والغش للإسلام وأهله ، ويظهرون الموافقة للمؤمنين ؛ لما كانوا يسمعون رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعد النصر والظفر للمؤمنين (٣) ، لكن ذلك لا يتحقق عندهم ، وكانوا كما قال الله ـ عزوجل ـ : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ...) الآية [النساء : ١٤٣] ، وكانوا ينتظرون النصر والظفر ؛ فيميلون إلى حيث كان النصر والظفر ؛ فيقولون للمؤمنين إن كان
__________________
(١) أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف (٦ / ٢٧٩) ، (٣١٣٨٤ ، ٣١٣٨٥) ، والبيهقي (٦ / ٢٥٤) عن علي بن أبي طالب ، وابن أبي شيبة (٣١٣٨٣) ومن طريقه البيهقي عن عبد الله بن مسعود.
(٢) في ب : المودة.
(٣) في ب : للمسلمين.