ومنها : ما يضاف للأحوال.
ومنها : ما يضاف لمكان ما به يكون الفعل ، وهاهنا أضيف ذلك إلى القرآن ؛ لما كان فيهم من الطغيان والكفر لمكان ما أنزل إليهم بالكفر الذي كان فيهم ؛ وهو كقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٦] : إنهن لا يضللن أحدا في الحقيقة ؛ ولكن لما صاروا بهن ضلالا أضيف إليهن ، وكقوله ـ عزوجل ـ : (وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) [الأنعام : ٧٠] والحياة الدنيا لا تغر أحدا ؛ ولكن لما [لو](١) كانت لها حواس لكان ما أبدت (٢) من الزينة لغرت.
وقوله : (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ)
اختلف فيه :
قال بعضهم : (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ) : بين اليهود والنصارى ، أي : لا يحب اليهودى نصرانيّا ، ولا النصرانى يهوديّا.
وقال آخرون : (بَيْنَهُمُ) ، أي : بين اليهود ؛ لأن اليهود على مذاهب مختلفة وأهواء مشتتة : منهم من يقول : عزير ابن الله ، ومنهم من يذهب مذهب التشبيه. هم على أهواء مختلفة ؛ فبينهم عداوة وبغضاء ، على ما ذكرنا (٣) الاختلاف الواقع بينهم.
ثم معنى ما أضاف من إلقاء العداوة بينهم إلى نفسه لا يخلو : إما أن يكون له في نفس العداوة فعل ، أو أن يكون في سبب العداوة ، ولا يجوز أن يكون له في فعل العداوة صنع ؛ لأنه فعلهم ، ولا في سبب العداوة ـ أيضا ـ لأن سببه الاختلاف ، والاختلاف فعلهم ـ أيضا ـ فإذا بطل أن يكون له في واحد من هذين صنع ؛ دل أن له ذلك من الوجه الآخر ، وهو أن خلق فعل العداوة وسبب العداوة منهم ، وبالله التوفيق والعصمة.
فإن قيل : ذكر هاهنا أنه تعالى ألقى بينهم العداوة والبغضاء ، وذكر في آية أخرى أن بعضهم أولياء بعض بقوله ـ تعالى ـ : (لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [المائدة : ٥١] كيف يجمع بينهما؟! :
قيل : (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) في أصل الدين وهو الكفر ، وبينهم عداوة ؛ لاختلاف الأهواء والمذاهب ، والله أعلم.
وفي الآية دلالة الامتنان على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بما أخبر أنه ألقى بينهم العداوة والبغضاء ،
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في أ : بدت.
(٣) في ب : ذكر.