ذلك لا يجوز أن يفهم من إضافة اليد إلى الله ـ تعالى ـ كما يفهم من الخلق ؛ ألا ترى أنه قال : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ)(١)(يَداكَ) [الحج : ١٠] و (فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠] ، لم يفهم منه اليد نفسها ؛ وكذلك قوله : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) [آل عمران : ١٨٢] ، لكن أضيف ذلك إلى اليد ؛ لما باليد يقدم ويعطي ويكسب ؛ ألا ترى أنه قال ـ تعالى ـ : (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) [الحجرات : ١] ، ومعلوم أنه لم يفهم من اليد : اليد نفسها ، ولكن أضيف ذلك إليها ؛ لما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلُعِنُوا بِما قالُوا)
قيل : عذبوا بما قالوا (٢) : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) ، واللعن ـ في اللغة ـ : هو الطرد ؛ كأنه قال : طردوا عن رحمة الله وأيسوا عنها حتى لا ينالوها أبدا بقولهم الذي قالوا.
وقيل : فيه إخبار : أنهم يموتون على ذلك ، ولا يؤمنون ، فماتوا على ذلك ؛ فذلك دليل رسالته ، عليه الصلاة والسلام ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ).
قيل فيه بوجهين :
قيل : يريد ما أنزل [الله](٣) إليك من القرآن ، (كَثِيراً مِنْهُمْ) ، يعني : اليهود (٤)(طُغْياناً وَكُفْراً).
وقيل : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) : من البيان عما كتموا من نعته وصفته التي كانت في كتابهم ، وما حرفوا فيه وغيروه من الأحكام ؛ فذلك مما زادهم طغيانا وكفرا.
قيل : (طُغْياناً) ، أي : تماديا بالمعصية (٥) ، (وَكُفْراً) : بالقرآن.
وقيل : الطغيان : هو العدوان (٦) ، وهو المجاوزة عن الحدّ الذي حد.
فإن قيل : ما معنى إضافة زيادة الطغيان إلى القرآن ، والقرآن لا يزيد طغيانا ولا كفرا؟ :
قيل : إضافة الأفعال إلى الأشياء تكون لوجوه ثلاثة :
منها : ما يضاف لحقيقة الفعل بها.
__________________
(١) في الأصول : كسبت.
(٢) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٥٠) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ٤٢٦).
(٣) سقط من ب.
(٤) ذكره أبو حيان في البحر (٣ / ٥٣٦) ، وابن عادل في اللباب (٧ / ٤٣١).
(٥) ذكره ابن جرير (٤ / ٦٤٢).
(٦) تقدم.