تعذيبنا (١) ؛ لقولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ).
في الآخرة بالسلاسل إلى أعناقهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ).
بالمغفرة والتعذيب ؛ يغفر لمن يشاء ، ويعذب من يشاء.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «قولهم : «يد الله مغلولة» : لا يعنون بذلك أن يده موثقة مغلولة حقيقة اليد والغل ؛ ولكن وصفوه بالبخل ، وقالوا : أمسك ما عنده ؛ بخلا منه ، تعالى الله عن ذلك (٢).
وقال آخرون : إن الله ـ تبارك وتعالى ـ قد كان بسط على اليهود الرزق ؛ فكانت من أخصب الناس وأكثرهم خيرا ، فلما عصوا الله في محمد صلىاللهعليهوسلم ، وكفروا به ، وبدلوا نعمة الله كفرا بالنعمة ـ كف الله ـ تعالى ـ عنهم بعض الذي كان بسط عليهم من السعة في الرزق ؛ فعند ذلك قالوا : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) ، لم يقولوا : يده مغلولة إلى عنقه ، ولكن ممسكة عنهم الرزق ، فلا يبسط كما (٣) كان يبسط ؛ وهو كقوله : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [الإسراء : ٢٩] : نهى عن البخل في الإنفاق ، لا أنه أراد حقيقة غل اليد إلى عنقه ؛ فعلى ذلك قولهم : (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) : كناية عن البخل ووصف به ، لا حقيقة الغل ، وبالله العصمة.
وتأويل قوله : (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ) على هذا التأويل ، أي : أيديهم هي الممسكة عن الإنفاق ، وهم الموصوفون بالبخل والشح.
(بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) ، أي : نعمه مبسوطة : يوسع على من يشاء ، ويقتر على من يشاء.
وفي حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : بل يداه يبسطان.
قال الفراء : يقال : وجه مبسوط ، ووجه بسط.
ثم لا يحتمل أن يفهم من إضافة اليد إلى الله ما يفهم (٤) من الخلق ؛ لما وجد إضافة اليد إلى من لا يحتمل أن يكون له اليد ، من ذلك قوله ـ تعالى ـ : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت : ٤٢] : لا يفهم من القرآن اليد كما يفهم من الخلق ؛ فعلى
__________________
(١) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ٥٠) ، وأبو حيان في البحر (٣ / ٥٣٤) وعزاه للحسن البصري.
(٢) أخرجه ابن جرير (٤ / ٦٤٢) ، (١٢٢٤٦) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٥٢٥) وزاد نسبته لابن أبي حاتم.
(٣) في ب : ما.
(٤) في ب : فهم.