__________________
ـ أن يكون واجب الوجود لذاته ، ومن كان واجب الوجود لذاته كان غنيّا عن غيره ، وامتنع عن كونه ولدا لغيره ؛ فبقي أنه لو كان ولدا لوجب كونه حادثا ؛ فنقول : إنه ـ تعالى ـ عالم بجميع المعلومات ، فإما أن يعلم أن له في تحصيل الولد كمالا ونفعا ، أو يعلم أنه ليس الأمر كذلك.
فإن كان الأول : فلا وقت يفرض أن الله ـ تعالى ـ خلق هذا الولد فيه إلا والداعي لإيجاد هذا الولد كان حاصلا قبل ذلك ، ومتى كان الداعي لإيجاده حاصلا قبله ، وجب حصول الولد قبل ذلك ، وهذا يوجب كونه ذلك أزليّا ، وهو محال.
وإن كان الثاني : فقد ثبت أن الله ـ تعالى ـ عالم بأنه ليس له في تحصيل الولد كمال حال ولا ازدياد مرتبة في الألوهية ، وإذا كان الأمر كذلك وجب ألا يحدثه البتة في وقت من الأوقات ، وإلى ذلك الإشارة بقوله ـ تعالى ـ : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ؛ فثبت بما ذكرناه أنه لا يمكن إثبات ولد لله ـ تعالى ـ بناء على هذين الاحتمالين المعلومين.
فأما إثبات الولد لله ـ تعالى ـ على احتمال ثالث : فذلك باطل ؛ لأنه غير متصور ولا مفهوم عند العقل ، فكان القول بإثبات الولادة بناء على ذلك الاحتمال الغير المتصور ـ خوضا في محض الجهالة وإنه باطل ، فهذا هو المقصود من هذه الآية الشريفة.
القائلون بالاتحاد والحلول : ادعت النصارى القول بحلول الله في المسيح واتحاده به ، وأنه ابن الله ، وادعت اليهود أن عزيرا ابن الله ، وقد نعى الله عليهم في كتابه العزيز ؛ حيث يقول : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[التوبة : ٣٠] ، وإنا لو تأملنا في اعتقاد هؤلاء لعلمنا أن كفر عابد الوثن دون كفرهم ؛ فإن عابد الوثن لا يقول : إن هذا الوثن خالق العالم وإله العالم ، ولا يصف الأوثان بصفات الألوهية ، ولا يقول بإلهين واجبي الوجود ، وإن أطلق على هذه الأوثان اسم الآلهة ؛ بل اتخذوها على أنها تماثيل الأنبياء أو الزهاد أو الملائكة أو الكواكب ، واشتغل بتعظيمها على رجاء العبادة ؛ توصلا بها إلى ما هو إله حقيقة ، وفي ذلك يقول الله ـ تعالى ـ : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)[الزمر : ٣] ؛ فثبت أنه لا فرق بين هؤلاء الحلولية وبين سائر المشركين (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ)[المجادلة : ١٩].
الشبهة التي أوقعت اليهود والنصارى في اعتقادهم :
أما النصارى : فإن الذي أوقعهم في هذه الظلمات هو ما جاء في الإنجيل في عدة مواضع من ذكر الله بلفظ الأب ، وذكر عيسى بلفظ الابن ، وذكر الاتحاد تصريحا أو تلويحا.
فمن ذلك : ما جاء في إنجيل يوحنا في الإصحاح الرابع ـ ويوحنا هو أحد الحواريين ـ : سأل عيسى ـ على نبينا وعليه الصلاة والسلام ـ : إنك تقول : قال أبي كذا ، وأمرنى أبي بكذا ؛ أرنى أباك ؛ فقال عيسى ـ عليهالسلام ـ : «يا فيلسوف ؛ من يراني ويعاينني فقد رأي الأب ؛ فكيف تقول أنت : أرنا الأب ، ولا تؤمن أني بأبي ، وأبي بي واقع واقع ، وأن الكلام الذي أتكلم به ليس من قبل نفسي ؛ بل من قبل أبي الحال فيّ ، وهو الذي يعمل هذه الأعمال التي أعمل؟! آمن وصدق أني بأبي وأبي بي».
فهذا لفظ الإنجيل المنقول إلى العربية ، المتداول عندهم ؛ فأخذ بعضهم الاتحاد من قوله : «من يراني ويعاينني فقد رأى الأب» ، وأخذ بعضهم الحلول من قوله : «أبي الحال في» ، وأخذ بعضهم البنوة من التصريح بلفظ الأب مرة بعد أخرى ، وهذا لا يصلح دليلا لهم ؛ لوجهين :
أحدهما : تضافر الأدلة على حصول التغيير والتبديل ؛ فثبت عدم صلاحيته دليلا لهم.
ثانيهما : أننا نتنزل ونقول لهم : سلمنا أنه لا تغيير ولا تبديل في ذلك المنقول ، لكن دلالته على مدعاهم ليست يقينية ؛ لجواز أن يكون المراد بالحلول المصرح به في بعض الجمل : حلول آثار صنع ـ