والثاني : أنه رسول ، وقد كان قبله رسل مع آيات وبراهين ، لم يدع أحد لهم الألوهية والربوبية.
والثالث : أنه كان يأكل الطعام ، ومن كان تحت غلبة آخر وقهره ، لا يكون إلها.
والرابع : من أكل الطعام احتاج أن يدفع عن نفسه الأذى ، ويقوم في أخبث مكان ، ومن كان هذا (١) أمره لم يكن ربّا.
وليس في القرآن ـ والله أعلم ـ آية أكثر ولا أبين احتجاجا على النصارى وأولئك ، ولا أقطع لقولهم من هذه الآية ؛ للمعاني التي وصفنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) : أي : من أين يكذبون.
قال أبو عبيد : (يُؤْفَكُونَ) : يصرفون ، ويخادعون (٢) عن الحق ، كل من صرفته عن شيء فقد أفكته (٣). ويقال : أفكت الأرض ، إذا صرف عنها القطر (٤).
وقوله : (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) [الذاريات : ٩]
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) [الأحقاف : ٢٨] قال : أضلهم (٥) ، فإذا أضلهم ، فقد صرفهم عن الهدى.
قال أبو عوسجة : الإفك عندي : الصرف عن الحق ، وفي الأصل : الإفك : الكذب (٦).
وقال القتبي : (يُؤْفَكُونَ) : يصرفون عن الحق ويعدلون.
وقيل : (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) يخدعون بالكذب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا) إن (٧) خالفتموه (وَلا نَفْعاً) إن أطعتموه.
ويحتمل : قوله : (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا) إن كان الله أراد بكم نفعا ، ولا نفعا إن حل بكم الضر ، أي : لا يملكون دفعه عنكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ) : لنسبتكم عيسى إليه تعالى ، (الْعَلِيمُ)
__________________
(١) في ب : بهذا.
(٢) في أ : ويحادون.
(٣) في أ : أمكنه.
(٤) ينظر : تفسير الطبري (٤ / ٦٥٤) ، وتفسير الرازي (١٢ / ٥٢) ، واللباب في علوم الكتاب (٧ / ٤٦٤).
(٥) أخرج الطبري (١١ / ٢٩٦) ، رقم (٣١٣٠٧) عن ابن عباس : أنه كان يقرؤها : «وذلك أفكهم» ، يعني : بفتح الألف والكاف ، وقال : أضلهم.
(٦) ينظر : تفسير الطبري (١٢ / ٥٢) ، واللباب في علوم الكتاب (٧ / ٤٦٤).
(٧) في أ : و.