قدمت أنفسهم سخط الله عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلَوْ كانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالنَّبِيِ)
يعني : المنافقين ، في أحد التأويلين. وفي تأويل آخر : اليهود ، أي : لو صدق هؤلاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وآمنوا به وصدقوا ما أنزل إليه من القرآن ـ ما اتخذوا أولئك أولياء.
ثم يحتمل قوله ـ تعالى ـ : (مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِياءَ) في الدين أو في النصر والمعونة والنصرة (١) ، (وَلكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فاسِقُونَ).
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) تحتمل الآية وجوها :
تحتمل : أن يكون ما ذكر من شدة عداوة اليهود للذين آمنوا قوما مخصوصين منهم.
وتحتمل : اليهود الذين كانوا بقرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأصحابه هم أشد عداوة لهم.
وتحتمل : اليهود جملة ، فهو ـ والله أعلم ـ على ما كان منهم من قتل الأنبياء وتكذيبهم إياهم ، ونصب القتال والحرب مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، وما كان منهم من قول الوخش في الله ـ سبحانه ـ ما لم يسبقهم أحد بمثل ذلك ما وصفوا الله ـ عزوجل ـ بالبخل والفقر ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة : ٦٤] وقالوا : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) [آل عمران : ١٨١] ، وغير ذلك من القول ؛ وذلك لشدة بغضهم وعداوتهم وقساوة قلوبهم ؛ فعلى ذلك كل من دعاهم إلى دين الله تعالى ، فهم له أشد عداوة ، وأقسى قلبا.
وأمّا النصارى : فلم يكن منهم واحد مما كان من اليهود : من قتل الأنبياء ، ونصب الحروب والقتال معهم ، ولم يروا في مذهبهم القتال ولا الحرب ، ولا كان منهم من القول الوخش ما كان من اليهود ، بل كان فيهم اللين والرفق ؛ حتى حملهم ذلك على القول في عيسى ما قالوا ، وذلك منهم له تعظيم فوق القدر الذي جعل الله له ، حتى رفعوه من قدر العبودية إلى قدر الربوبية ؛ لذلك كفروا ، وإلا كانوا يؤمنون بالكتب والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ من قبل ؛ ألا ترى أنه قال : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً) أخبر ـ عزوجل ـ أن منهم قسيسين ورهبانا ، والرهبان : هم العباد.
وقيل : القسيسون : [هم](٢) الصديقون (٣) ، ولم يكن من اليهود رهبان ولا قسيسين ؛
__________________
(١) في أ : والمظاهر.
(٢) سقط من ب.
(٣) أخرج الطبراني في الكبير (٦ / ٢٦٦) ، رقم (٦١٧٥) من طريق حامية بن رباب قال : سمعت سلمان ـ وسئل عن قوله : (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً) [المائدة : ٨٢] ـ قال : الرهبان : ـ