وقوله ـ عزوجل ـ : (كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ)(١)
ذكر في بعض القصة عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لمّا وقعت بنو إسرائيل في المعاصي نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا ، فجالسوهم في مجالسهم وآكلوهم وشاربوهم ، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ، ولعنهم على لسان داود وعيسى ابن مريم ؛ ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون» قال : فجلس رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان متكئا فقال : «لا والّذى نفسي بيده حتّى تأطروهم [على الحقّ](٢) أطرا» (٣) قال أبو عبيد : يعني تعطفوهم عطفا (٤) ، وقال غيره : حتى تكسروهم كسرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)
قيل : قوله : (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) يعني : المنافقين ، (يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني : اليهود يتولون الذين كفروا ويعاندون رسول الله وأصحابه.
وقيل : (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) : يعني : من اليهود : (يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من مشركي العرب وغيرهم ، كانوا يظاهرون على رسول الله صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، ويعاونون عليهم ، وقد كان من الفريقين جميعا ذلك.
ويحتمل وجها آخر : قوله : (تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) من هؤلاء الذين شهد لهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتولون الذين كفروا ، يعني : أسلافهم ورؤساءهم ؛ كقوله : (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً ...) الآية [المائدة : ٧٧] ، تولى هؤلاء أولئك واتبعوا أهواءهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ) : أي : ما
__________________
(١) قال القرطبي (٦ / ١٦٤) : قال ابن عطية : والإجماع منعقد على أن النهي عن المنكر فرض لمن أطاقه ، وأمن الضرر على نفسه وعلى المسلمين ؛ فإن خاف فينكر بقلبه ويهجر ذا المنكر ولا يخالطه. وقال حذاق أهل العلم : وليس من شرط الناهي أن يكون سليما عن معصية ؛ بل ينهى العصاة بعضهم بعضا. وقال بعض الأصوليين : فرض على الذين يتعاطون الكئوس أن ينهى بعضهم بعضا ، واستدلوا بهذه الآية.
(٢) سقط من ب.
(٣) أخرجه أحمد (١ / ٣٩١) ، وأبو داود (٢ / ٥٢٤ ـ ٥٢٥) كتاب الملاحم : باب الأمر والنهي ، حديث (٤٣٣٦ ، ٤٣٣٧) ، والترمذي (٥ / ١٣٩) كتاب التفسير : باب سورة المائدة ، حديث (٣٠٤٧) ، وابن ماجه (٥ / ٤٨٢) كتاب الفتن : باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، حديث (٤٠٠٦) ، وأبو يعلى (٥٠٣٥) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (١١٦٤) ، والطبراني في الكبير (١٠٢٦٤ ، ١٠٢٦٥ ، ١٠٢٦٦) ، وفي الأوسط (٥٢٣) من طريق أبي عبيدة عن ابن مسعود ، به. وإسناده ضعيف ؛ لانقطاعه. وروي مرسلا عن أبي عبيدة.
(٤) ينظر : غريب الحديث لأبي عبيد (١ / ٣٠١).