بتكفير ذلك ، وذلك المعنى موجود في الوجهين ؛ لذلك لزمت الكفارة في الأمرين ، والله أعلم.
ولو كانت على التأويل الثاني أو على أحد وجهي التأويل ، لأمكن ألا يؤاخذ بالمأثم ولا بالكفارة جميعا ، والذي يبين أن هذا التأويل أنه ذكر المؤاخذة في الآيتين.
فأحدهما : بكسب القلوب وكسبها تعمدها ، والمؤاخذة به تكون بالمأثم لا بالحقوق والكفارات ، إذ لا يؤاخذ في شيء بكسب القلب خاصة كفارة أو حقّا يوجب ، وإن كان قد يؤخذ لذلك عند أفعال الجوارح ، فأما له خاصة فلا ، وقد يكون به الطاعة والمعصية ؛ وعلى ذلك قوله : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) [الأحزاب : ٥].
وإذا ثبت أن ذلك في المآثم فلا يؤاخذ ، ثم لا مأثم فيما ذكر من عقد اليمين في العقد ؛ إذ هو يخرج مخرج التعظيم لله ، وقد رويت عقود الأيمان عن الرسل ؛ فثبت أن المؤاخذة فيها بالكفارة ؛ فلا يؤاخذ بها في اللغو أيضا ، وأيّد ذلك أن الله تعالى ذكر ما لا يؤاخذ مرتين ، وذكر المؤاخذة كذلك ، فلو كانت المؤاخذة بواحد لكان الذكر الواحد كافيا ؛ فثبت أنه بأمرين مختلفين ؛ فعلى ذلك أمر العفو ، والله أعلم. مع ما أنه قد تبين في آية المعاقدة كيفية المؤاخذة ولم يبين في كسب القلب ؛ فيجب أن يكون العفو عما جرى به بيان المؤاخذة أحق منه مما لم يجر به ؛ فثبت أنه في رفع المؤاخذة بالكفارة ، ولو كان على ما يقوله سعيد لكانت تجب الكفارة بما سلف بيانه ؛ لذلك قلنا : [إن هذا](١) أحق بالآية ، والله أعلم.
ثم إذا ثبت أن اللغو مما لا يجب فيه الكفارة (٢) ، يحتمل أن يكون لم يجب من حيث
__________________
(١) في ب : إنه.
(٢) ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا كفارة في يمين اللغو ، سواء تعلقت بالماضى أو بالحال أو بالاستقبال ؛ لقوله ـ تعالى ـ (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) الآية. فقد فسر ـ سبحانه وتعالى ـ المؤاخذة بقوله : (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) [المائدة : ٨٩] الآية ؛ فعلم من ذلك : أن المؤاخذة المنفية في اللغو هي الكفارة ، وذلك يفيد بظاهره أن يمين اللغو لا كفارة فيها من غير تفصيل.
وقالت المالكية : إن تعلقت بغير المستقبل ، فلا كفارة فيها ، وإن تعلقت به ، ففيها الكفارة ؛ لشبهها باليمين المنعقدة ؛ من حيث إن فيها انتهاكا لحرمة التعظيم بحلفه على ما يجهله من غير أن يثبت في ذلك.
وقد اختلفوا في تفسير اللغو :
فمنهم من قال : هو ما جرى على لسان الحالف من غير قصد ك «لا والله ، وبلى والله» وهم الشافعية ورواية عن أبي حنيفة ، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس وعائشة ـ رضي الله عنهم ـ والشعبي ، وعكرمة ، وعطاء ، والقاسم وغيرهم ، وسواء تعلق عندهم بالماضى أو ـ