لم يعص الله به ، ويحتمل أن يكون لم يجب ؛ لأن يمينه كانت على ما كان الحنث به معه أو قبله ؛ فيمنع صحة اليمين وإن أطلق لها الاسم ؛ إذ (١) كانت الأسماء مطلقة لما فسد من العقود وصحت ، وإنما تختلف لها الأحكام والمقاصد منها ، فإن كان لما لم يعص الله فيجب أن يكون في كل حنث يؤمر به لا يجب به الكفارة ، فإذا جرت السنة بإيجابها على الأمر بالحنث ، وقد يجب ـ أيضا ـ فيما كان فعل الحنث على حال خطأ أو نوم أو جنون ، أو فعل غير الحالف فيم الحنث به على تعمد أن يأثم بغيره ؛ إذ قال الله ـ عزوجل ـ : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤] ـ ثبت أنها تجب لا لأنه لم يعص الله ، ولكن للوجه الذي ذكرت ، والله أعلم.
__________________
ـ بالمستقبل ؛ لقوله ـ تعالى ـ : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ)[المائدة : ٨٩] الآية. يقال : لغا يلغو ، ولغا يلغى : إذا تكلم بما لا حقيقة له ، ولا قصد له فيه ، وقد ذكر في التفسير : هو ما يسبق إليه اللسان من غير قصد : كقوله : «لا والله ، وبلى والله».
قال الأزهري : اللغو في كلام العرب على وجهين :
أحدهما : فضول الكلام وباطله الذي يجرى على غير عقد.
والثاني : ما كان فيه رفث وفحش ومأثم.
وقال قتادة في قوله ـ تعالى ـ : (لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً)[الغاشية : ١١] ـ : ما يؤثم.
وقالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ـ يعني في اللغو في اليمين ـ : «هو كلام الرجل في بيته : لا والله ، وبلى والله». أخرجه أبو داود ، ورواه الزهري وعبد الملك بن أبي سليمان ، ومالك بن مغول ، عن عطاء عن عائشة موقوفا. وقالت المالكية : هو الحلف على شيء يعتقده الحالف ، أي : يغلب على ظنه ، فيظهر له خلافه ، وهو مذهب الحنفية ؛ وحجتهم في ذلك : أن أقواما تراجعوا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهم يرمون بحضرته ، فحلف أحدهم : لقد أصبت وأخطأت يا فلان ، فإذا الأمر بخلاف ذلك ؛ فقال الرجل : حنث يا رسول الله ؛ فقال صلىاللهعليهوسلم : «أيمان الرماة لغو ؛ لا حنث فيها ولا كفارة» ، فقد جعل النبي صلىاللهعليهوسلم يمين من حلف ، وهو ظان أن الأمر على ما حلف ، فإذا هو بخلافه ـ يمين لغو لا كفارة فيها ، وذلك مفيد أن لغو اليمين هو ما تقدم.
وقالت الحنابلة : هو ما جرى على اللسان من غير قصد ، أو الحلف على شيء يعتقده ، فيظهر له خلافه ؛ ودليلهم ما تقدم للشافعية والمالكية والحنفية.
وإذا نظرنا إلى دليل كلّ وجدنا أن اللغو الذي ينبغي أن يعتبر هو : ما جرى على اللسان من غير قصد فقط ؛ لأن هذا هو معنى اللغو في اللغة ، والألفاظ تحمل على معانيها اللغوية ، ما لم يرد عن الشرع ما يحملها على خلافه ، ولم يرد عنه ما يخالف ذلك ؛ بل ورد ما يعضده ؛ فقد أجابت عائشة ـ رضي الله عنها ـ حينما سئلت عن اللغو في اليمين بأنه : هو كلام الرجل في بيته : «لا الله ، وبلى والله» ، ووافقها على ذلك كثير من الصحابة والتابعين ، فإن كان هذا القول قالته عن سماع من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فالحجة فيه واضحة ، وإن كان قولا منها ، فهو تفسير لصاحبي يعرف معاني الألفاظ اللغوية ، والمعاني الشرعية ، وقوله مقبول. وأما حديث الرماة : فقد قال الحافظ فيه : إنه لا يثبت ؛ لأنه من مراسيل الحسن ، وهو ممن لا تعتبر مراسيله ؛ لأنه كان لا يتحرى الثقة.
ينظر : مغني المحتاج (٤ / ٣٢٤) ، وتبيين الحقائق (٢ / ١٠٨) ، وحاشية الدسوقي (٢ / ١١٥).
(١) في ب : إذا.