فلا يحتمل مع هذا الجواز بالاختيار ، ويصير ما يدفع إلى ابنه كأنه له ، وما يدفع إلى أبيه كأنه لنفسه دفع ؛ فلذلك لم يجز.
والأصل في هذا وفي الزكاة (١) أنها حقوق جعلها الله ـ تعالى ـ في الأموال لوجهين :
أحدهما : بما ابتدأ الله عبيدة بالنعم ، وخصهم بإعطاء ما اشتهت أنفسهم ، ومالت إليه طباعهم ؛ فاستأداهم شكر ذلك بالذي جعل في طباعهم النفار عنه ، وفي أنفسهم الألم به من الإخراج عن الملك ، ومعونة من لم يكرمهم به ، ولا أنعم عليهم به.
والثاني : أن يكونوا اقترفوا مأثما بما أعطوا أنفسهم مناها ، وأصلوا طباعهم إلى هواها بغير الوجه الذي أذن له في ذلك من هو له في الحقيقة ، وهو الذي اختصهم ، [فعرض عليهم](٢) الخروج بما فعلوا من الوجه الذي في الطبع النفار عنه ، وفي النفس الألم به ؛ ليذيقوا أنفسهم بدل ما أعطوها من اللذة المرارة ، فمن هو من المتصدق بالمحل الذي يجد به هذا ، فهو مقابل ما له أكرم وبه اقترف ، ومن لا يجد به هذا فليس بمقابل ذلك ، فلم يف بحق الشكر ولا بحق التكفير ، فلم يخرج مما عليه من الفرض ، وإن كان الله بكرمه وجوده بحيث يرجى منه العفو وعنه والقبول منه ، والله أعلم.
وعلى ذلك عندنا أمر الزوجين ؛ إذ يوجد بينهما في البذل شهوة وميل الطبيعة ، ويكون التناكح بمثله على ما ذكر من النكاح لأربعة أوجه :
أحدها : لمالها ، وما كذلك الموجود في الطباع ، والله أعلم.
وعلى هذا المعنى يخرج أمر الشهادة ؛ إذ هي مؤسّسة على دفع التهم (٣) عن المدعين ، فإذا رجعت منافعهم إلى حججهم تمكنت فيهم ذلك فلم يقبل.
وجملة ذلك : أن الشهادة ودفع الزكاة (٤) والكفارات بحق الأمانات ، وهي بحيث لا يسع للأمناء الانتفاع بها ، فكل وجه فيه انتفاع المؤتمن فإنما له الانتفاع به بلا تمانع في العرف أو بما في الطبع إيثار نفعه ، فكان له فيه ما بزواله جعل أمينا ؛ فلا تثبت له الأمانة فيه ، والله أعلم.
وعلى هذا يخرج أمر الدفع إلى المكاتب والشهادة له ، والله أعلم.
ثم الدفع إلى الكفار : القياس أن يجوز جميع ذلك من حيث كان المعنى الذي له يختار
__________________
(١) في ب : الزكوات.
(٢) في أ : فعليهم.
(٣) في أ : السهم.
(٤) في ب : الزكوات.