في الدفع إليهم أن يجد من ثقل الطبع وألم النفس ، وعلى ذلك أجيزت عندنا الكفارات ، وأيد ذلك قوله ـ تعالى ـ : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ ...) إلى قوله : (وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) [البقرة : ٢٧١] صير الصدقات مكفرة لما ذكرتم ؛ يدل على ذلك فيما قال أهل التفسير في قوله : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ ...) الآية [البقرة : ٢٧٢] أن ذلك في التصدق على أهل الكفر ، أي : لا يمنعك ذلك ، وكان على إثر الوعد بالتكفير بالصدقة ، فأمكن أن يكونوا هم في ذلك مع ما كانت الكفارات جعلت بشرط المسكنة ، وقبيح في المسلم دفع السّؤّال وإن كانوا كفرة ، فجائز الدفع إليهم.
وجملة ذلك : أن ذلك بما اختار من إعطاء النفس شهوتها فيما لم يؤذن له ، فيكون كفارتها بالكف عن شهوتها فيما كان يحل ، والبذل بالذي كان يسعه منع ذلك ، وذلك المعنى موجود في ذلك ، على (١) أن التصدق عليهم بعض ما يرغبهم في الإسلام ؛ لم يجز المنع ، والله أعلم.
وأما الزكاة (٢) : فهي مخصوصة بما جاء من إضافة الدفع إلى من يؤخذ من غنيهم ، ولما بين أهلها ، وجعل عليها سعاة ؛ ليتحروا (٣) المواضع.
وأمر الكفارات جعل إلى أربابها إيجابها والخروج عنها في تخير أهلها مع ما كانت الزكاة (٤) أوجبت بلا كسب بحق الشكر ، وحق الشكر الإنفاق في الطاعة.
ثم كان الإنفاق (٥) على من يطيع الله به يخرج مخرج المعونة على الطاعة ، وعلى الكافر لا ؛ فيقتصر عن شرط التمام في (٦) معنى الشكر ، والكفارة في حق إعطاء النفس الشهوة ، فيمتحنها بإخراج ما في شهوتها المنع ، وذلك المعنى موجود في الكافر على التمام ؛ لذلك اختلفا.
وبعد : فإن الزكاة (٧) تجب بلا إيجاب ، وقد قطع الله الحق الذي ذلك سبيله ، ثم بين مختلفي الملك بحق المواريث والكفارات يجب بما اكتسبوا ، وبين الفريقين في الحقوق المكتسبة اشتراك ولا قوة إلا بالله.
__________________
(١) في ب : علم.
(٢) في ب : الزكوات.
(٣) في ب : ليتخيروا.
(٤) في ب : الزكوات.
(٥) في ب : الاتفاق.
(٦) في ب : لا في.
(٧) في ب : الزكوات.