والأصل في ذلك أن الزكاة (١) أوجبت في الأموال حقّا للفقراء ، ثم هي تخرج إلى من أوجبت لهم ، فما لم يعلم من أوجبت له لم تخرج على مثل حقوق المواريث ؛ للقرابة ، وغير ذلك ، والكفارات ليست بواجبة في الأموال تخرج ، بل ينظر إلى وقت الدفع والقيام بالتكفير ، فإن كانت له أموال دفعها منها ، وإلا ليست عليه ؛ فصارت الحقوق كأنها بالدفع تقع ؛ إذ لو توهم وقت الوجوب له الغنى والفقر لكان الأمر لا يختلف ، وإذا كان ، كان كذلك ، وله ابتداء التصدق (٢) عليهم بحق التطوع والنذور وغيرهما فيجوز فيهم ، والزكوات ؛ إذ الدفع منها تسليم إلى من كان له الحق ، احتيج في ذلك إلى مبين ذلك ، والله أعلم.
وصدقة الفطر بحق إظهار السرور ، ودفع السؤال ؛ كما روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أغنوهم عن المسألة فى مثل هذا اليوم» (٣) لا بحق ما كان جعل في ماله يخرج منه ، بل بحق المعونة ، وذلك لازم في العقول لكل سائل وبخاصة في الدفع إليهم ؛ ليمتنعوا هم بما فيه سرور أهل الإسلام ، والله أعلم.
وأيضا : إن الزكوات أوجبت في الابتداء حقّا للفقراء ؛ إذ الله ـ سبحانه وتعالى ـ أخرج أرزاق الخلق أملاكا لبعضهم ، وألزمهم تحمل كفاية من لم يملكهم أعين تلك الأموال ؛ إذ لم يخلق ابتداء الخلق لهم الجملة.
وإذا كان محل الزكوات في الابتداء وجعل لأهلها بها الغنى ، وأهل الكفر أبوا قبول الدين الذي ذلك حق جعل للمحتاجين في أموال الأغنياء ، فلم يكن لهم في مذهبهم ذلك الحق ، بل لو كان ، كان في أموال أغنياء مذهبهم ، ولأهل الإسلام أن ذلك الحق في أموال أغنيائهم ، وكذلك من عليهم الحق قبلوه بالدين لأهله لم يدخل في ذلك غيرهم.
ثم كانت الكفارات والنذور ونحوها ليست بمجعولة بالدين لحق الفقراء ، وإنما هي واجبة بتعاطي [أرباب](٤) من لزمهم ؛ ليتقربوا بها إلى ربهم ، ويخرجوا بها مما جنوا على مذهبهم ، وقد جعل ذلك في جملة الصدقات ، وفي أنواع العبادات التي لا عبرة فيها لمنافع الخلق ؛ فثبت أنها لم تجب لهم ، وإنّما الشرط عليهم فيها ما يكون عبادة وقربة إلى الله تعالى ، وقد جعل الله ـ تعالى ـ في الدفع إلى مساكينهم قربة وعبادة ، فجازت ، وعلى هذا يخرج قولنا في العتق ، على أن قولنا بجميع المخالفين لنا في هذا أولى ؛ لأن مذهبهم
__________________
(١) في ب : الزكوات.
(٢) في ب : التصديق.
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) سقط من ب.