اعتماد العموم إلا في قدر ما يمنعهم عن ذلك ، والعموم بجميع (١) الفرق كلهم باسم المساكين ، واسم تحرير الرقبة ، ولا دليل لهم على الخصوص إلا ضرب من القياس.
ومن مذهبه أن إخراج بعض ما تضمنه الاسم لا يوجب خصوص ذلك ، فكذا يلزمهم ألا يخصوا الوجود التخصيص في غيره ؛ إذ ذلك أبعد ، على أنهم أجمعوا ألا يقاس ما ليس فيه ذكر التتابع على المذكور ، فمثله أمر الإيمان.
وجملته : أنه قد يجوز في العتق مع قيام كثير من العيوب التي لا تحتمل التغير ؛ فيعيب الدين الذي يمكنه أحق ، وكذلك من قول الجميع : إن العجز بالمرض عن المكاسب لا يمنع ؛ إذ هو قد يزول ، فالذي لا عجز فيه ويمكنه اختياره أحق أن يجوز ، والله أعلم.
ثم الأصل : أن الله ـ تعالى ـ في الكفارة التي جعل الإيمان فيها شرطا (٢) ، ذكر العتق
__________________
(١) في أ : لجميع.
(٢) ذهب الجمهور ـ ومنهم مالك ، والشافعي ، وأحمد ـ في مشهور مذهبه ـ والأوزاعي : إلى أن عتق الرقبة الكافرة في الكفارات لا يجزئ ، ولا تسقط الكفارة به. وذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه ، والثوري ، وعطاء ، وأبو ثور ـ إلى أن ذلك مجزئ ، ومسقط للكفارة ، وهو رواية عن الإمام أحمد.
احتج الجمهور بما رواه مسلم والنسائي عن معاوية بن الحكم قال : كانت لي جارية فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم ـ فقلت : على رقبة ، أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أين الله؟» فقالت : في السماء ؛ فقال : «من أنا؟» فقالت : أنت رسول الله ؛ فقال صلىاللهعليهوسلم : «أعتقها ؛ فإنها مؤمنة». ووجه الدلالة : أن النبي صلىاللهعليهوسلم أخّر الجواب عن السائل ؛ حتى علم ما عليه تلك الرقبة من الإيمان أو الكفر ، فلما تأكد له إيمانها أجابه صلىاللهعليهوسلم بأن يعتقها ، وقال له : «فإنها مؤمنة» ؛ فلو لم يكن وصف الإيمان له دخل في إجزاء العتق ، لما كان لهذا التأخير فائدة ، ومثل ذلك يجلّ عنه مقام الرسولصلىاللهعليهوسلم.
وأيضا فإنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ علق عتقها على الإيمان ، وتعليق ذلك يدل على أن الإيمان علة الإجزاء ؛ لأن تعلق الحكم بالمشتق مؤذن بأن مبدأ الاشتقاق علة فيه.
وقالوا : إن الرقبة في الآية ـ وإن كانت مطلقة غير مقيدة بوصف الإيمان ـ إلا أن هذا الحديث يصلح أن يكون مقيدا لها ؛ فيكون المقصود من الرقبة فيها : هي الرقبة المؤمنة ، أو يقال : إن كفارة الإيمان قد اتحد الحكم فيها مع كفارة القتل ؛ ففي كل وجب عتق رقبة ، واختلف سببهما ؛ إذ كفارة اليمين سببها اليمين ، وكفارة القتل سببها القتل ، والمطلق والمقيد متى اتحد حكمهما حمل المطلق على المقيد ، وإن اختلف سببهما ؛ متى وجدت علة جامعة بينهما ؛ فتكون الرقبة في كفارة اليمين محمولة على الرقبة في كفارة القتل ؛ فتقيد بالإيمان ، كما قيدت به في كفارة القتل ؛ لأن العلة التي تجمعهما : هي حرمة السبب.
واحتج الإمام أبو حنيفة ومن معه بأن الآية غير مقيدة ، فهي شاملة للرقبة المؤمنة ، وللرقبة الكافرة ، والمطلق يجب بقاؤه على إطلاقه حتى يرد من الشرع ما يقيده ، ولم يرد ما يقيد الرقبة بالإيمان هاهنا ؛ فكانت باقية على إطلاقها ، فعتق الكافرة مجزئ كعتق المسلمة ، وليس حمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم مع اختلاف السبب أمرا متفقا عليه ؛ بل نحن لا نقول به.
وبالنظر في وجهة كلّ نجد أن مذهب الجمهور هو الراجح ؛ لأن الحديث المتقدم مقيد للآية ؛ فلم تبق على إطلاقها ، ولأن الكفارة عبادة يتقرب بها إلى الله عزوجل ؛ فوجب أن تكون خاصة بأهل عبادته من المؤمنين ؛ كمال الزكاة ، وذبائح النسك. نعم ، إن الإسلام دين الرحمة العامة ، والصدقة ـ