في ذلك في قتل ثلاث فرق ، ذكر في كل مرة (وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) [النساء : ٩٢] ، لم يدع ذكر ذلك في شيء منها للذكر في نوع من ذلك ، على قرب ما بين أولئك الأسباب ، فلو كان يحتمل الاقتصار على بيان الكفاية دون المبالغة ، أو يجب ذلك في النظر ـ لكان يذكر مرة كفاية على نحو الصوم فيه ، فإذا لم يكتف على تقارب المعنى بان أن ذلك نوع ما لم يؤذن فيه تعليق الحكم بالمعنى ، بل لو كان مأذونا فيه ، لكان يوجد في القتل معان لا توجد في غير ذلك ؛ فلا يجوز قياس غيره عليه ، والله أعلم.
فإن قال قائل : إذ قال الله ـ تعالى ـ : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [غافر : ٤٠] ثم قد جعل سيئة الظهار والقتل : عتق رقبة ، وبالصيام : صوم شهرين متتابعين ، فكيف (١) جعل مثل سيئة الحنث بالعتق : عتق رقبة ، وبالصيام : ثلاثة أيام ؛ فلو كان ثلاثة عديل العتق لما ذا زاد في الظهار والقتل في الجزاء؟
نقول ـ وبالله التوفيق ـ : لذلك أجوبة ثلاثة :
أن الجزاء في الدنيا هو ما يجوز به المحنة ابتداء ؛ لا على الجزاء ، فعلى ذلك يجوز فيه الزيادة بحق المحنة ، لا الجزاء والقضاء ، وبحق العفو ، كما قال ـ عزوجل ـ (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥] ، وقال (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ) وفي الآخرة لا يكون بحق ابتداء المحنة ، إنما ذلك بحق الجزاء وهو ـ عزوجل ـ حكيم عدل لا يزيد على ما توجبه الحكمة ، ويجوز التجاوز بما هو عفو كريم ؛ فلذلك اختلف الأمران.
والثاني : أن يقال : حق جزاء كل ما فيه العتق صيام شهرين متتابعين ، ولله العفو فيه ، عامل الحانث فرضي منه بصوم ثلاثة أيام ؛ لما علم ـ عزوجل ـ في ذلك من المصالح ، والله أعلم.
والثالث : أن يكون حق الجزاء في اليمين بالصيام ما ذكره (٢) ، وكذلك في القتل والظهار ، وفيهما حق العتق كذلك ، وفي اليمين دونه ، ولكنه تمم بما لا يحتمل التجزئة على حق كل شيء لا يتجزأ أن جزءا منه متى وجب يجب كله ؛ فعلى ذلك العتق ، والله
__________________
ـ فيه ـ حتى على الكفار غير المحاربين ـ مستحبة ، ولكن هناك فرقا بين الصدقة المطلقة ، وبين العبادات المحددة المقيدة ؛ فتكفير الذنب إنما يرجى بما في العتق من إعانة العتيق على طاعته تعالى ، حتى من قال بإجزاء الكافرة لا يمكنه أن ينكر أن الاحتياط في إبراء الذمة إنما هو بإعتاق الرقبة المؤمنة ؛ فتقديم المجمع عليه المتيقن إجزاؤه أولى بالاعتبار من المظنون المختلف فيه.
ينظر : الأم للشافعي (٧ / ٥٩) ، والشرح الكبير (٢ / ١١٨) ، وفتح القدير (٤ / ١٨) ، والمغني مع الشرح (١١ / ٢٦٢).
(١) في ب : بكيف.
(٢) في ب : ذكر.