وقد وصفنا فرق أبي حنيفة وأبي يوسف ـ رحمهماالله ـ بين المطبوخ وبين المثلث والمنصف من العصير.
فأما فرقهم بين المطبوخ ما يتخذ من النخلة والعنب والنّيء منه فهو : أن الخمر التي لا خلاف في تحريمها في العصير التي تصير خمرا ، فكل ما كان نيئا من الشجرتين اللتين سماهما النبي صلىاللهعليهوسلم فهو حرام إذا أسكر ، فإذا كان مطبوخا فقد عمل فيه ما خرج به من حد الخمر.
فإن قيل : يجب أن يقاس ذلك على النيئ ؛ لأنه يسكر ، وفيه صفات الخمر.
قيل : الخمر حرمت لعينها لما لا تتخذ إلا للسكر ، ولا يقاس عليها غيرها ، وإنما يقاس على ما حرم وحل لعلة دون ما حرم بعينه ، وأما غيره من الأنبذة فإنما يحرم منه السكر ؛ ألا ترى أنه في الخبر : أن النبي صلىاللهعليهوسلم لما بعث أبا موسى ومعاذا إلى اليمن قال له أبو موسى : إن شرابنا يقال له : البتع ، فما نشرب منه وما ندع؟ قال : «اشربوا ولا تسكروا» (١).
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : حرمت الخمر بعينها ، قليلها وكثيرها ، والسكر من كل شراب (٢).
__________________
ـ الكجي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة.
(١) أخرجه أحمد (٤ / ٤٠٧ ، ٤١٠) ، والبخاري (٨ / ٦٢) كتاب المغازي : باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع ، حديث (٤٣٤٣) ، ومسلم (٣ / ١٥٨٦) كتاب الأشربة : باب بيان أن كل مسكر خمر ، وأن كل خمر حرام ، حديث (٧٠ / ١٧٣٣) ، وأبو داود (٤ / ٨٩) كتاب الأشربة : باب النهي عن المسكر ، حديث (٣٦٨٤) ، والنسائي (٨ / ٢٩٩ ـ ٣٠٠) كتاب الأشربة : باب تفسير البتع والمزر ، والبيهقي (٨ / ٢٩١) كتاب الأشربة : باب ما جاء في تفسير الخمر الذي نزل تحريمها ، والطحاوي (٤ / ٢٢٠) كتاب الأشربة : باب ما يحرم من النبيذ ، وابن الجارود (٨٥٦) بألفاظ ليس في شيء منها «اشربا ولا تسكرا» بل في بعضها «ولا تشربا مسكرا».
(٢) أخرجه النسائي (٨ / ٣٢١) كتاب الأشربة : باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أراد شرب السكر من طريق ابن شبرمة عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن ابن عباس موقوفا بلفظ : «حرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب» حديث (٥٦٨٤).
قال النسائي : ابن شبرمة لم يسمعه من عبد الله بن شداد.
وأخرجه (٨ / ٣٢١) كتاب الأشربة : باب ذكر الأخبار التي اعتل بها من أراد شرب السكر من طريق ابن شبرمة.
قال : حدثنى الثقة عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس به.
قال : خالفه أبو عون محمد بن عبيد الله الثقفي ، فرواه عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس بزيادة : «حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها».
أخرجه النسائي (٨ / ٣٢١).
ثم أخرجه من طريق عباس بن ذريح عن أبي عون عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال : ـ