النخلة والعنب فلا يحرم وإن كان نيئا إلا السكر منه ؛ لأن غيرهما من الأشربة قد يتخذ لا للسكر ، وإن كان في مكان لا يتخذ إلا للسكر فهو مكروه قليله وكثيره ، كالمتخذ من النخلة والعنب.
وكانا يقولان : ما كان من الأنبذة مطبوخا فهو حلال وإن قل طبخه ، إلا العصير فإنه لا يحل بالطبخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه.
وكانا يفرقان بين العصير وغيره : بأن العصير ليس فيه شيء من غيره ، وإن ترك بحاله غلا فأسكر ، فإذا طبخ حتى يذهب ثلثه أو نصفه فهو يغلي ويسكر ، فلم يخرجه الطبخ من حده الأول ؛ إذ كان يسكر قبل أن يطبخ ، وهو الآن يسكر بنفسه ؛ إذ لم يجعل فيه شيء غيره ، وسائر ما يتخذ منه الأنبذة إن بقيت لم يشتد ولم يسكر حتى يلقى عليه الماء ويخلط بها غيره ، فحينئذ يسكر ، فهي مثل العصير إذا ذهب ثلثاه وبقي ثلثه ، فإن بقي دهرا لم يسكر حتى يلقي عليه الماء فحينئذ يسكر ، فإذا صار العصير في حال إن بقي مدة لم يغل بنفسه حتى يلقي عليه غيره كان بمنزلة الزبيب والتمر إذا ألقى عليهما الماء فطبخا ؛ وعلى ذلك ما روي عن عمر ـ رضي الله عنه ـ في الطلاء أنه لا يحل حتى يذهب ثلثاه ؛ فيذهب عنه سلطانه ، يقول : إذا كان يغلي بنفسه من غير أن يصب عليه الماء ففيه سلطانه ، فإذا صار لا يغلي بنفسه ، وهو أن يطبخ حتى يذهب ثلثاه فقد ذهب عنه سلطانه.
وروي عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن أبا عبيدة (١) ومعاذ ابن جبل وأبا طلحة (٢) ـ رضوان الله عليهم ـ كانوا يشربون من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه (٣).
__________________
(١) عامر بن عبد الله بن الجراح القرشي الفهري ، مشهور بكنيته «أبي عبيدة» ، وبالنسبة إلى جده «الجراح» ، من الصحابة المقلين في الفتيا ، وأحد السابقين إلى الإسلام والعشرة المبشرين ، هاجر الهجرتين ، وشهد بدرا وما بعدها ، آخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينه وبين سعد بن معاذ. قال أحمد من حديث أنس : إن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالوا : ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام ، فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح ، فقال : «هذا أمين هذه الأمة».
وقد دعا أبو بكر يوم توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سقيفة بني ساعدة إلى البيعة لعمر أو لأبي عبيدة ، ولاه عمر الشام ، وفتح الله عليه اليرموك والجابية ، توفي في طاعون عمواس بالشام. له في الصحيحين أربعة عشر حديثا. ينظر : الإصابة في تمييز الصحابة (٢ / ٢٥٢) ، وتهذيب التهذيب (٥ / ٧٣) ، وإعلام الموقعين (١ / ١٢) ، والأعلام للزركلي (٤ / ١).
(٢) هو أبو طلحة ، زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، الأنصاري النجاري ، وهو مشهور بكنيته. شهد العقبة مع السبعين ، ثم شهد بدرا وما بعدها من المشاهد ، وهو زوج أم أنس بن مالك ، وكان من الرماة المذكورين ، وكان يسرد الصوم كثيرا. مات سنة إحدى وثلاثين ، وقيل : سنة اثنتين وثلاثين ، وقيل : سنة أربعة وثلاثين ، وهو ابن سبعين سنة ، وقيل غير ذلك. ينظر : تهذيب الكمال (١٠ / ٧٥ ـ ٧٧) ، الإصابة (١ / ٥٦٦) ، تهذيب التهذيب (٣ / ٤١٤).
(٣) علقه البخاري (١١ / ١٨٩) كتاب الأشربة : باب الباذق. وقال الحافظ في الفتح : وصله أبو مسلم ـ