لصاحب الفدية في حلق الرأس أن يفعل أي هذه الثلاثة شاء ، فالواجب أن يكون في جزاء الصيد مثله ؛ لأن الخطاب خرج على حرف التخيير ، وكل خطاب خرج على حرف التخيير ، وكان سبب وجوبه واحدا ـ فهو على التخيير ؛ نحو كفارة اليمين ، وما ذكرنا في دفع الأذى عن رأسه ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) شرط بلوغ الكعبة ، وهو لا يبلغ نفس الكعبة ؛ فدل أن المراد رجع إلى بلوغه قرب الكعبة ، وعلى هذا يخرج قولهم فيمن حلف ألا يمر على باب فلان ، فمر بقرب بابه ـ حنث ؛ استدلالا بقوله : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) ، لم يرد به بلوغه عين الكعبة ، ولكن قربها أو مكانها ؛ فعلى ذلك هذا ، والله أعلم.
وكان محمد بن الحسن يقول : يحكم عليه بمثله من النعم حيث كان.
وأبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ يقول : يحكم عليه بقيمة الصيد في الموضع الذي أصابه فيه. واختلافهما في هذا يرجع إلى ما اختلفا فيه من المثل عينا أو قيمة.
وقد روي عن عمر ، وعبد الرحمن ـ رضي الله عنهما ـ وغيرهما أنهم حكموا في الظبي شاة ، ولم يسألوا عن الموضع الذي أصيب (١) فيه ؛ فدل تركهم السؤال عن ذلك [على](٢) أن المواضع كلها كانت عندهم سواء ، وأنهم أجروه مجرى الكفارات دون القيم ؛ لأنهم لو أجروا ذلك مجرى ضمان القيم ، لسألوا عن أماكن (٣) الجنايات ؛ إذ كان الصيد يختلف قيمته ، ولا يستوي في ذلك الأماكن كلها ؛ فهذا يؤيد قول محمد ومن وافقه.
وأما عند أبي حنيفة ـ رحمهالله ـ أن الملك للحرم في الصيد ، وكل من أتلف ملك آخر أو جنى على مال أحد ، إنما ينظر إلى قيمته في المكان الذي أتلفه ؛ فعلى ذلك النظر في الصيد إلى المكان الذي أصابه.
ثم المسألة في جزاء الصيد أين يذبح؟ عندهم جميعا : لا يجوز أن يذبح إلا بمكة ؛ لأنه لو جاز أن يذبح في غير الحرم حيث شاء ، زالت فائدة قوله : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) ، وليس في ذلك بينهم خلاف.
وأما الإطعام والصيام : فإن الله ـ عزوجل ـ لم يذكر فيهما موضعا ، ولا جعل لهما مكانا ؛ فله أن يطعم ، وأن يصوم حيث شاء.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٦) (١٢٥٨١) عن قبيصة بن جابر ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٥٨١) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير عن بكر بن عبد الله المزني.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : إمكان.