في جنسه ، فهو غير موجب المثل ، بل الموجب فيها القيمة أقرب إلى إيجاب المثل فيها ، والله أعلم.
فإن قيل : كيف يسمّى قيمة الشيء : «مثلا» وليست من جنسه ، وإنما المثل ما كان من جنس الشيء؟ قيل : قد ذكرنا أن قيمة ما لا مثل له من النعم تسمى : «مثلا» ، ولأن الله ـ تعالى ـ قال : (أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) ، وإذا جاز أن يسمى الصيام : «عدلا» للطعام ، جاز أن تسمى القيمة : «عدلا» للصيد ، وإنما صار الصيام عدلا للطعام بالتقويم والمثل ، والعدل في المعنى متقارب ، والله أعلم.
ولأن الله ـ تعالى ـ : قال (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) ، ولو كان المراد من المثل : المنظور في رأي العين ، لم يكن لشرط ذوي عدل فيه معنى ؛ لأن المثل في رأي العين يعرفه كل أحد به بصر ، فيه أو لم يكن ؛ فدل ما شرط من نظر ذوي عدل [على] ما بطن فيه وخفي ، لا ما ظهر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) تأويله ما ذكرنا : ينظر إلى رجلين عدلين ، لهما بصر ومعرفة في ذلك ، فيقومانه ، ثم يشتري بها هديا إن شاء ، فيهدي ، وإن لم يبلغ هديا قومت الدراهم طعاما ، فإن لم يجد ، صام مكان كل نصف صاع (١) يوما.
وروي عن ابن عباس (٢) ـ رضي الله عنه ـ كذلك ، والحسن ، وإبراهيم ، والقاسم ، والسلف جملة.
وعندنا : أنه مخير بين هذه الأشياء الثلاثة ، يفعل أي هذه الثلاثة شاء ؛ لأن الله ـ تعالى ـ : قال في المحصر (٣) : (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : ١٩٦] ، ولا خلاف بينهم في أن
__________________
(١) الصاع : من وحدات الأكيال التي تعلق بها كثير من الأحكام الفقهية المشهورة ، فهو مكيال تكال به الحبوب ونحوها ، وقدره أهل الحجاز قديما بأربعة أمداد ، أي : بما يساوي عشرين ومائة وألف درهم ، وقدره أهل العراق قديما بثمانية أرطال. ينظر : المعجم الوسيط (صوع).
(٢) تقدم.
(٣) الإحصار : مصدر أحصره : إذا حبسه ، مرضا كان الحاصر أو عدوّا ، وحصره أيضا ، حكاهما غير واحد.
وقال ثعلب في «الفصيح» : وحصرت الرجل : إذا حبسته ، وأحصره المرض : إذا منعه السير ، والصحيح أنهما لغتان.
وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ)[البقرة : ١٩٦] ظاهر في حصر العدو ؛ لوجهين : أحدهما : أن الآية نزلت في قصة الحديبية وكان حصر العدو.
والثاني : أنه قال بعد ذلك : (فَإِذا أَمِنْتُمْ)[البقرة : ١٩٦] ، والأمن من الخوف.
ينظر : المطلع (ص ٢٠٤).