ظن بعض الناس أن الآية رفعت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسعة في ترك ذلك ، وليس فيه رفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ ولكن فيه إنباء أن ليس علينا فيما يرد ولا يقبل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ شيء ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) [الأنعام : ٥٢] ، وكقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ ...) الآية [النور : ٥٤] ليس فيه رخصة ترك تبليغ الرسالة إليهم ، ورفعه عنه (١) ، ولكن إخبار أن ليس عليه فيما يرد وترك القبول شيء ، كقوله : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) [الشورى : ٤٨] ؛ فعلى ذلك الأول ، والله أعلم.
ويحتمل : أن يكون في الآية (٢) دليل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ لأنه قال : (لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَ) بترك قبول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) أنتم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ، وبذلك وصف الله هذه الأمة بقوله : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران : ١١٠].
وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من لم يرحم صغيرنا ، ولم يوقّر كبيرنا ، ولم يأمر بالمعروف ، ولم ينه عن المنكر فليس منّا» (٣).
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دخل علىّ ـ وقد حفزه ـ النفس ، فتوضأ ، ثم خرج إلى المسجد ، فقمت من وراء الحجاب ، فصعد المنبر ، ثم قال : «أيّها النّاس ، إنّ الله يقول : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم ، وتسألوني فلا أعطيكم ، وتستغيثوني فلا أغيثكم ، وتستنصروني فلا أنصركم».
وعن أبي بكر [الصديق](٤) ـ رضي الله عنه ـ قال : «يا أيها الناس ، إنكم تقرءون هذه
__________________
ـ الله تعالى.
وقال القاسمي (٦ / ٤٠٦) : لا يستدل بالآية على سقوط الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر. لأن الظاهر من الآية أن ضلال الغير لا يضر ، وأن المطيع لربه لا يكون مؤاخذا بذنوب العاصي. وإلا فمن تركهما مع القدرة عليهما ، فليس بمهتد. وإنما هو بعض الضلال الذي فصلت الآية بينهم وبينه.
(١) في الأصول : عنهم.
(٢) زاد في أ : ليس فيه رخصة.
(٣) أخرجه أحمد (١ / ٢٥٧) ، وعبد بن حميد (٥٨٦) ، والترمذي (٣ / ٤٨٠) أبواب البر والصلة : باب ما جاء في رحمة الصبيان (١٩٢١) ، والبزار (١٩٥٥ ، ١٩٥٦ ـ كشف الأستار) ، وابن حبان (٤٥٨) ، والطبراني في الكبير (١١ / ٧٢) رقم (١١٠٨٣) ، والبغوي في شرح السنة (٦ / ٤٤٨) رقم (٣٣٤٦) ، من حديث ابن عباس مرفوعا : «ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا ، ويأمر بالمعروف وينه عن المنكر» ، قال الترمذي : هذا حديث غريب.
(٤) سقط من ب.